إذا كانت مهنتك تحتم عليك أن يرى جسدك ملايين الناس وأنت تمارس هذه المهنة، فاعلم أنك من المحظوظين، وأن الشهرة ستطاردك، وتأكد أن المال سينهمر فى جيوبك بغير حساب، وأن رجال الأمن سيعاملونك بكل احترام وتقدير، وأن أبواب البيروقراطية ستنفتح أمامك على مصراعيها!
وسوف أدلل على هذا الكلام حالًا!
خذ عندك.. الممثل أو لاعب الكرة.. كيف يمارس مهنته؟، يمارسها بجسده كله، ويشاهده الملايين عندما يمثل أو يلعب، بينما المهندس أو المحاسب أو الضابط أو العامل أو الفلاح لا يراه أحد عندما يتصدى لعمله، وعليه، فنصيبه من الشهرة شحيح، إن لم يكن معدومًا، وفى جيوبه لا تسقط سوى أموال قليلة بالكاد تكفى أيام الشهر!
أكثر من ثلاثة مليارات إنسان شاهدوا مباريات كأس العالم العام الماضى، أى أن الناس ترى جسد لاعب الكرة كاملًا.. تتأمله وهو يجرى.. يقفز.. يلهث.. يسقط.. ينهض.. يناور.. يفرح.. يتحسر.. يحزن.. يسدد.. مشاعر الإنسان كلها تنطبع فى وجه لاعب الكرة، وتتبدى أمام الملايين فى لحظة واحدة.
الأمر نفسه يمكن أن ينطبق على الممثل، فالملايين يشاهدونه فى الأوضاع كافة.. نائمًا.. متيقظًا.. سعيدًا.. مهمومًا.. طيبًا.. شريرًا.. عاشقًا.. منبوذًا.. إلى آخره. ومن ثم فجسد الممثل مثل جسد اللاعب «مستباح» أمام الجموع الغفيرة، لكن هذه «الاستباحة» اللذيذة هى جوهر المهنة، وهى لب العمل!
ولأن هذه المهنة - اللاعب والممثل - تمتع ملايين البشر، فإن أصحابها يتقاضون عليها ملايين الدولارات أو الجنيهات، ولك أن تعلم أن سعر اللاعب الأرجنتينى ميسى بلغ 400 مليون يورو، ورونالدو 150 مليون يورو، أما عادل إمام فقد تقاضى 30 مليون جنيه عن مسلسله الأخير «صاحب السعادة»، ويسرا حصلت على 15 مليون جنيه عن دورها فى «سراى عابدين».
هكذا إذن ينال الجسد الإنسانى الكثير والكثير من الشهرة والمال إذا تم توظيفه لإسعاد الملايين، ولعلك لاحظت أن المذيع التليفزيونى يحظى بشهرة أيضًا، وبقدر معقول من المال، لكن ليس كمثل اللاعب أو الممثل، إنما أقل.. والمسألة بسيطة، فالجمهور لا يرى سوى «نصف» جسد المذيع، وليس الجسد كاملًا، كما أن مهنة المذيع لا تمنح المشاهدين المتعة التى توفرها مهنة التمثيل أو لعب الكرة!
هناك مهنة وحيدة يتمتع صاحبها بالشهرة والمال، لكن الناس لا تراه وهو يمارس مهنته.. إنه التاجر، أو رجل الأعمال بمصطلحات العصر، وهى مهنة قديمة جدًا يعرف أصحابها كيف يراكمون الأموال دون جهد ولا إمتاع!
أما نحن الذين أدركتهم حرفة الأدب، أو أنهكتهم مهنة الصحافة، فنمارس المهنة داخل غرف مغلقة.. لا يرى أجسادنا أحد، ولا يعرف أحد حجم العذابات التى تتكبدها أرواحنا لنكتب ونبدع! لذا فشهرتنا محدودة وأموالنا قليلة