ليس لى أى اعتراض على شخصية أبو حفيظة، بل أقدر الموهبة التى تؤديها وأضحك معها مثل الكثيرين، لكن منذ عدة أيام كنت فى جلسة مع بعض الأصدقاء وكنا نستمع فى شجن لأحد أغانى عبد الحليم على إحدى القنوات الفضائية، ونحن نتبادل أطراف الحديث ودخل علينا ابن مضيفنا وهو فى الثالثة عشرة من عمره وسلم علينا ثم نظر إلى عبد الحليم وهو يغنى (لا تكذبى) وانفجر فى الضحك وأخذ يشاور على العندليب قائلا: (مش ده اللى كان عنده بواسير وعاوز عوامة ههههههه) فنظرت للفتى فى استنكار أقرب للقرف وأنا أقول له (بواسير إيه وعوامة إيه يا حبيبى ادخل العب مع إخواتك) فنظر لى متحديًا (أنت مشفتش الفيلم ده يا عمو ده أبيض وأسود لما أكل شطة وقعدوه فى مياه سخنة) تعجبت من حجم الغسفاف والبلاهة التى خرجت على لسان الولد، ونظرت إلى أبوه اسأله (هو الواد ابنك بيتعلم فى أى بلاعة) فضحك صديقى بشدة وقال لى (أبو حفيظة عامل مشهد كوميدى من فيلم حكاية حب ومطلع عبد الحليم عنده بواسير) فرددت كلامه فى اشمئزاز (عبد الحليم عنده بواسير امال أبو حفيظة عنده إيه).
لحظات ووضعوا (الآيباد) بين يدى لأشاهد هذه الكارثة، المشهد بصوت قريب لعبد الحليم والمليجى وحولوه من مشهد درامى رائع ونادر ابكى الملايين إلى عوامة وقاعدة وبواسير، ومثله مشاهد أخرى من الشموع السوداء وقصر الشوق (عبقرية نجيب محفوظ) ورد قلبى (أنشودة يوسف السباعي). كلها تحولت إلى مشاهد سخيفة ومهينة لأصحابها من الفنانين العظماء والكتاب الكبار. فهل يمكن للسخرية أن تصبح لعنة تحطم كل ما احترمناه وتحولنا إلى بلهاء لا يدركون الرخيص من الثمين، وهل الضحك والتهكم بهذا الشكل يجوز على أعمالنا الإبداعية والفنية التى صنعت هوية هذا الشعب وثقافته وقوته الناعمة.
والله العظيم لقد شعرت بالاختناق والمهانة والوجع وأنا أشاهد حسين رياض وعبد الحليم ويحيى شاهين ينطقون بكلام قذر أخرق. فأين الحقوق الدرامية والقانونية والأدبية لهذه الأعمال وهؤلاء الفنانين وهل ينطق عبد الحليم بهذا الكلام القذر حتى يتكسب هؤلاء المنتجين، ثم ماذا تريدون أن تفعلوا لهذا الشعب (عاوزينه ملط) بلا حاضر ولا ماضى فنحن نعيش أسوأ عصور الفن والثقافة ولم نكتف بل دورنا معاولنا الهدامة وعقولنا الفاسدة على التراث والتاريخ، والمصيبة الكبرى فى أولادنا الذين لم يشاهدوا أفلامنا العظيمة حينما يرونها مشوهة قذرة بهذا الشكل، فإذا لم تمتلك ما تحترمه فلا تنتظر أن يحترمك الآخرون.