وبالعلم وحده ترتقى العقول وتتقدم الشعوب، وها هو المفتاح الذى تاهت مصر من بعد فقدانه وضلت الطريق ولن تهتدى وتعود لسابق عهدها إلا بعد العثور على ضالتها.
فقد كانت أولى كلمات الله عز وجل لنبيه الكريم صل الله عليه وسلم (اقرأ).
والجدير بالتأمل هنا، أن هذا الأمر الإلهى اختص به الرحمن محمدًا النبى (الأُمى) عليه الصلاة والسلام!
وهذا ما يجعلنا نتوقف كثيرًا أمام هذه الحكمة الكبيرة التى أراد الله بها أن يؤكد أهمية العلم وحتمية الخلاص من الأمية والجهل.
ومن المحزن أن مصر التى كانت فيما مضى منارة العلم وأيقونة العلماء والأدباء والمثقفين، قد أصابها من شرور البلية ما دفعها دفعة قوية لهوة سحيقة بعيدة كل البعد عن ما كان وليته دام!!
فقد أصبح تصنيف مستوى التعليم فى مصر يبعث على الخجل، حيث باتت فى أواخر الصفوف الخلفية بجدارة!
هذه الكارثة التى لا يلتفت إليها أولو الأمر والمنوط بهم التدخل السريع لإنقاذ الأجيال الجديدة من الخواء والجهل الذى ينهون به حياتهم الدراسية، أهم كثيرًا من قضايا أخرى تشغل بال السادة المسئولين، فبدونها لن تستقيم الأمور ولن تستعيد مصر وضعها المرجو ولن تخرج من كبوتها دون إنقاذ منظومة التعليم المعوجة وإعادة صياغتها بما يتواكب مع نظم التعليم التى ارتقت وانطلقت من خلالها شعوبًا كثيرة كنا يومًا نمثل حلمًا بعيد المنال بالنسبة لها!!
هل يعُقل أن تكون هناك هذه الهوة المادية الشاسعة بين المدارس الحكومية والمدارس الخاصة والتى تستنزف ولى الأمر بكل طرق ووسائل الابتزاز ولى الأذرع؟
والنتيجة النهائية التى يخرج بها الطالب بعد إنهاء مرحلته الدراسية صفر!
ذلك لأن المدارس المجانية أصبحت غير آدمية، ليست فقط غير تعليمية، بحيث إنها لا تقدم للطالب الحد الأدنى من الخدمة التعليمية المطلوبة!!
فبالطبع سارع ولى الأمر للتضحية بالغالى والنفيس وتضييق حزام العيش لآخر درجاته كى يستطيع إلحاق الطالب بمدرسة خاصة لربما يحصل على تعليم جيد ولا يتعرض للإهانة والازدراء اللذين يعانى منهما تلميذ المجانى!
ويا ليته كان مجديًا، فكلاهما أمر من الآخر، لأنها المنظومة الفاشلة والمناهج العقيمة والمُعلم التاجر!
فقد حدثتنى منذ أيام قليلة إحدى الصديقات عن ابنها الذى أوشك على الانتهاء من دراسته الجامعية فى إحدى الجامعات الخاصة والذى درس الإعلام فى عامه الجامعى الرابع، أنه يشعر بأنه لم يتعلم شيئًا عن الإعلام!!
كذلك ابنى الطالب فى القسم الأمريكى فى إحدى المدارس الخاصة، والذى لا يشعر يومًا بتأنيب الضمير لأنه لا يتصفح أحد كتبه الدراسية ولو من باب العلم بالشىء، ومع ذلك يعلم جيدًا أن المدرسة ملتزمة بمنحه كافة درجات النجاح، وكله بحسابه!
وأما الطالب الذى فى نفس عمر ابنى فى مدرسة حكومية، فهو الآخر لا يتلقى أى خدمة تعليمية، وعلمت من والدته التى تعمل مساعدة لى بالمنزل أنها تستخدم المعرفة وبعض الرشوة المقنعة كى ينجح، وكله برده بحسابه!
أين المعلم الذى كنا نجله ونحترمه فى الماضى، والذى ما ذلنا نذكره وأمثاله بكل الخير ونتذكر جيدًا كلماته؟ وأين المواد الدراسية التى شكلت وجداننا وأثرت عقولنا وما زالت محفورة فى أذهاننا لا تمحوها السنوات؟
أرجو أن ينتبه سيادة الرئيس ووزير التعليم وكل من يهمه أمر هذا الوطن الجريح لإيقاف هذه المهازل والإنقاذ السريع لهذا النزيف الذى قد يودى بمستقبل الأجيال الجديدة، والتى نطمع فى أنها أمل مصر القادم.