لم أقرأ حيثيات حكم أبوحصيرة، ولكن ما أريد أن أتحدث عنه مباشرة هو منطوقه الذى أشار إلى إخراج مقبرة أبوحصيرة من عداد الآثار، وألزم وزارة الدولة للآثار بالتنفيذ باعتبارها الوزارة المعنية.. بداية، المجلس الأعلى للآثار هو الجهة المنوط بها دون غيرها اعتبار أى أثر فى عداد الآثار، أولا بما تمتلكه من خبرات متخصصة حسب نوع الآثار، سواء كانت فرعونية أو يونانية رومانية أو قبطية أو يهودية أو إسلامية، وذلك بناء على ضوابط علمية يعرفها أهل الاختصاص، ومن هنا فما حدث فى حالة مقبرة «أبوحصيرة» جعلنى أتساءل هل يجوز للقاضى اتخاذ حكمه بإخراج المقبرة من عداد الآثار اليهودية، دون الرجوع لأهل الاختصاص؟ تماما مثلما أتساءل هل يجوز للقاضى الحكم بالإدانة أو البراءة على طبيب تسبب لخطأ طبى ارتكبه فى موت مريض أو سبب له عاهة دون الحصول على قرار من لجنة طبية محايدة ينتدبها القاضى نفسه، أو استنادا إلى التقرير الفنى للطب الشرعى.
نعود إلى قضية أبوحصيرة، جميعنا يعلم أن أهم مزايا مصر أنها احتضنت الديانات الثلاث، استقبلت المسيح وأمه العذراء مريم، ووفرت لهم الأمن والأمان هربا من اضطهاد الرومان، وعلى أرضها تجلى المولى عز وجل على كليمه موسى عليه السلام، ومن على أرضها تم تصدير الإسلام الوسطى إلى شتى أنحاء المعمورة.. وكان من الطبيعى بحكم هذا الثراء الذى تمثله مصر، أن ينعكس ذلك على الآثار ليكون لدينا آثار تنتمى لكل الحقب، لذلك تجد لدينا اروع المساجد الآثرية، جنبا إلى جنب مع أقدم الكنائس التاريخية، وتجد المعابد اليهودية ذات الطرز المعمارية المتميزة مثل معبد عيزرا أحد مفردات مجمع الأديان فى مصر القديمة.
تعالوا نحسبها بحسابات الربح والخسارة، رسالة مصر للعالم أنها بلد السلام، ومهد الديانات الثلاث، والخطوة الأخيرة تقول بعكس ذلك، بل نقدم للإسرائيليين، على طبق من فضة ما يستطيعون به مهاجمة مصر ونعتها بما ليس فيها، وبأننا ضد السامية، ويجر علينا معارك نحن فى غنى عنها.
أنا وأنت، وكل من يؤمن بالله الواحد الأحد الفرد الصمد، أو يؤمن بالأب والابن والروح القدس إله واحد، نؤمن أيضا باليهودية كديانة سماوية، ولكننا ضد إسرائيل وشعبها العنصرى المغتصب لأراضى الغير، وضد الصهيونية العالمية التى تغتصب كل شىء، وتدير كيانا غاصبا لكل شىء، ووصل بهم الحال إلى حد العمل على تزييف التاريخ وبحيث يصدرون للعالم أنهم بناة الأهرامات وليس المصريين القدماء. أما ما يحدث من تجاوزات أثناء مولد أبو حصيرة، أو شرب خمر، أو ما شابه فالمولد يقع على أراض مصرية، وهناك حكومة لديها العشرات بل المئات من المواد القانونية التى تمنع التجاوز، أو حتى إلغاء الاحتفالية من عدمها، لكن لا نخرج المقبرة من عداد الآثار.
بقيت كلمة أخيرة، بحسن نية يعتقد البعض أن خطوة إخراج أبو حصيرة من عداد الأثار تفيد، العكس هو الصحيح، لأننا عندما نخرجه من عداد الآثار، فنحن ببساطة نفتح الباب لمن يريد أن يتصرف فيه كيفما يشاء، إن لم يكن اليوم فغدا، أما لو كان أثرا فلا يستطيع حتى رئيس الجمهورية، لو أراد أن يتصرف فيه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة