يمكن أن نأخذ حالة محمد عاطف، المعروف باسم حركى هو «أبوحفص المصرى»، لإظهار الدور الذى لعبه الراديكاليون المصريون فى تنظيم القاعدة، فحسب معلومات رشحت عقب حادث الحادى عشر من سبتمبر، فإن «أبوحفص» هو مهندس عمليتى نيروبى ودار السلام، وهو يعد من أبرز العناصر الإسلامية الذين يعتقدون فى أن محاربة الأنظمة الحاكمة هى طريق الخلاص بالنسبة للعالم الإسلامى، ولذا شارك فى تأسيس تنظيم «القاعدة»، وانتقل مع «بن لادن» إلى السودان حتى 1996، وحينما عاد «بن لادن» إلى أفغانستان مرة أخرى عاد معه «أبوحفص» و«الظواهرى». وقد تولى «أبوحفص» مسؤولية الجناح العسكرى لـ«القاعدة» عقب وفاة أبوعبيدة البنشيرى الذى كان قد تنقل معه بين العديد من الدول العربية والأجنبية، حيث التقى قادة تنظيم الجهاد فى الأردن، وباكستان، والسودان، وأفغانستان، وغيرها.
وقد لعب «أبوحفص» أدوارًا بارزة لتشكيل فروع تنظيم «القاعدة» فى العديد من دول العالم، من أبرزها المساهمة فى تأسيس معسكرات الصومال عام 1992، فقد سافر إلى هناك عدة مرات بهدف تحديد أفضل الوسائل والطرق لتوجيه ضربات للقوات الأمريكية، وقوات الأمم المتحدة المتمركزة هناك، وقدم تقارير إلى «بن لادن» و«الظواهرى». وفى بداية ربيع 1993 لعب دورًا مهمًا فى تزويد قبائل صومالية تعارض تدخل الأمم المتحدة فى الصومال بالعتاد والتدريب.
كما كان له إسهامه فى العمل الجهادى داخل كينيا، حيث نجح مع آخرين فى تأسيس فرع للتنظيم فى كينيا عام 1994، بالتعاون مع زميله محمد صادق عودة الذى سافر إلى «مومباسا»، وأسس شركة صيد بأموال من تنظيم «القاعدة»، تم استخدام عائداتها لدعم أعضاء «القاعدة» فى كينيا وتمويلهم.
ويظل إعلان «الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين» هو نقطة التحول الرئيسية على طريق وصول الإسلاميين الراديكاليين المصريين إلى مرحلة «التعولم». وقد تم تشكيل هذه الجبهة فى منتصف فبراير عام 1998، ووقع على وثيقة إنشائها كل من أسامة بن لادن، وأيمن الظواهرى، ورفاعى أحمد طه، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، ومير حمزة، سكرتير جمعية علماء باكستان، وفضل الرحمن، زعيم حركة الأنصار فى باكستان أيضًا، وعبدالسلام محمد، زعيم حركة الجهاد فى بنجلاديش. وقد حددت الجبهة هدفها فى قتال الأمريكيين والإسرائيليين فى أى مكان بالعالم.
ورغم أن الجماعة الإسلامية نفت أن يكون أحد قد مثلها فى تشكيل هذه الجبهة، وأنه لم يعرض عليها مشروع من هذا القبيل، وأنه فى حال حدوث ذلك فسوف يكون القرار فيه لقيادة الجماعة، أى ليس لرفاعى طه أو غيره، فإن توقيع الأخير على بيان تأسيس الجبهة قد تم بالفعل، لكن توافر بعض المعلومات عن قرب قيام هذه الجبهة بعمليات ضد أهداف أمريكية، دفع «الجماعة الإسلامية» إلى نفى اشتراكها فى تأسيس الجبهة، خشية أن يعرضها هذا إلى رد عنيف من قبل الولايات المتحدة. ومع ذلك فإن هذا النفى، أو ذلك الانسحاب، لا يعنى أن جميع عناصر الجماعة الذين كانوا موجودين على أراضى أفغانستان أو فى الخارج، وقت الإعلان عن بيان تأسيس الجبهة، وباركوا خطوة توقيع رفاعى طه على هذا البيان، قد عدلوا عن موقفهم على غرار طه، وهذا معناه أن تواجد الراديكاليين الإسلاميين المصريين داخل الجبهة، ومن ثم تنظيم «القاعدة»، قد احتفظ بقوة نسبية، الأمر الذى تمت ترجمته فى توزيع المواقع داخل التنظيم، وفى تحديد أهدافه، والتخطيط لها.
لكن الغموض الذى اتصفت به العمليات التى قام بها التنظيم، جعل إمكانية استكناه طبيعة توزيع الأدوار فى هذه العمليات تبدو صعبة إلى حد بعيد، فمثلا اعتاد «بن لادن» مباركة عمليات مثل مهاجمة سفارتى الولايات المتحدة فى نيروبى ودار السلام، وتفجير المدمرة الأمريكية «كول» فى ميناء عدن اليمنى فى شهر أكتوبر عام 2000، دون أن يتفوه بما يفيد بتبنيه العمليات، أو الإفصاح عن دور تنظيم القاعدة فيها، وذلك لعدم التسبب فى حرج وإيذاء حكومة طالبان التى تستضيفه، لكنه اضطر- تدريجيا وبشكل محسوب- أن يعلن ذلك عقب مهاجمة الولايات المتحدة حكومة طالبان، وإزاحتها عن الحكم، وتعقبها عناصر «القاعدة» فى كهوف أفغانستان. وقد كان لافتًا للانتباه أن يظهر أيمن الظواهرى وأبوحفص المصرى بجانب «بن لادن» فى شرائط الفيديو التى بثتها قناة «الجزيرة» القطرية. وقد أظهر الشريط الأول، على وجه الخصوص، أن «الظواهرى» هو بمثابة المفكر والمخطط بالنسبة للتنظيم، بينما يلعب «بن لادن» دور «القائد الكاريزمى»، فضلًا على كونه الممول، فالكلمة التى ألقاها الأخير فى الشريط المذكور اتسمت بطابع حماسى يعزف على وتر المشاعر، بينما اتصفت كلمة الأول الذى لا يتمتع بقدرة على الخطابة تعادل التى يمتلكها الثان، بمحاولة مخاطبة العقل، وارتداء ثوب التحريض الممنطق، وتبرير عداء «الإسلاميين» للولايات المتحدة، وربط ما يحدث فى أفغانستان بما يجرى فى الأرض المحتلة، لجذب العرب والمسلمين إلى أفكار وخطط تنظيم «القاعدة»، وبدت قيادات تنظيم «الجهاد» هم الذين يتحكمون فى تسيير تنظيم القاعدة.
وعمليًا فإن الجماعات الإسلامية التى شاركت فى تكوين «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين»، لم تمارس دورًا فعليًا داخل الجبهة، وبمرور الشهور خلت الساحة لتنظيم «الجهاد»، لأنه الأكثر التصاقًا بـ«بن لادن»، والأكثر قدرة على ترجمة ما يدور فى ذهنه من أهداف إلى واقع ملموس، من خلال كوادر مدربة، وخبرة طويلة فى العمل المسلح، وانتشار فى مناطق كثيرة من العالم. وهذه الخصائص جعلت «الجهاد» قادرًا على أن يجعل «أجندته» حاضرة باستمرار، بالتوازى مع أجندة «بن لادن»، ويستخدم أموال الأخير فى تحقيق أهدافه، ويتمكن من التأثير فكريًا فى العناصر الأخرى من غير المصريين الملتفة حول «بن لادن»، وفى الوقت ذاته الترويج لأهداف تنظيم «القاعدة» من خلال الخبرة الإعلامية التى اكتسبها أفراد «الجهاد».
ومنذ عمليتى نيروبى ودار السلام طرحت «الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين» التى يلعب تنظيم «الجهاد» المصرى الدور الأساسى فى تحريكها، نفسها بشدة كـ«فاعل دولى» يستوجب ما يبدر عنه من سلوك رد فعل دوليًا واسع النطاق، يصل إلى حد إقامة تحالفات دولية ضده. فالفترة التى أعقبت الحادث المذكور شهدت «قيام الولايات المتحدة وحلفائها بتوسيع نطاق المواجهة والحصار للجماعات الإسلامية العنيفة التى شاركت فى الحادث، ليشمل عديدًا من بلدان العالم، ففى خلال الشهور الأولى من عام 1999 شهدت مصر وبعض بلدان أمريكا اللاتينية وباكستان وأفغانستان واليمن والولايات المتحدة وبريطانيا وألبانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى تعاونًا كثيفًا بين السلطات الأمنية فى كل منها من أجل إحكام الحصار حول أهم تلك الجماعات، وبصورة محددة وواضحة بدا تنظيم القاعدة وجماعة الجهاد المصرية هما الهدف الرئيسى لكل ذلك التعاون».
«ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى»
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة