سعيد الشحات

فى أصول تجديد الخطاب الدينى

الأربعاء، 07 يناير 2015 07:27 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الجدل حول تجديد الخطاب الدينى، لا يغيب عن ذاكرتى تلك الأيام التى دارت فيها الحرب ضد الاحتلال السوفيتى لأفغانستان، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضى، وهى الأيام التى كان فيها كل رموز التكفيريين والإرهابيين نجوما، وحملوا السلاح فيما بعد ضد المصريين، ومازال منهم من يفعلها حتى الآن.

وقتئذ حل قادة ما يسمى بـ«الجهاد الأفغانى» ضيوفا على الرئيس السادات على الغداء فى منزله بقرية ميت أبو الكوم محافظة المنوفية، ونظم الحزب الوطنى الذى كان عمره نحو عام واحد حملات للمعونة المالية لمن سماهم بـ«المجاهدين»، وأسس صندوقا دفع فيه مليون جنيه كنواة للتبرعات التى أخذت أشكالا متعددة منها عمل معونة شتاء، وخصم يوم من رواتب موظفى الدولة، ثم تطور الأمر إلى السماح بالسفر إلى أفغانستان للتطوع للقتال ضد العدو السوفيتى، وكانت السعودية هى محطة السفر، أما أمريكا فكانت تمسك بيدها كل خيوط اللعبة وتديرها وفقا لمستهدف وحيد وهو هزيمة الاتحاد السوفيتى الذى كان القطب العالمى الثانى، ولم يكن يعنيها من قريب أو بعيد تحرير بقعة محتلة من ديار الإسلام.

دار كل ذلك تحت ما يسمى بـ«الجهاد الإسلامى»، وتحت هذا الاسم حدث تقارب كبير بين «السادات» وجماعة الإخوان بقيادة عمر التلمسانى، وتم تسخير منابر المساجد لهذا الغرض، وعليها سمعنا أعجب الخرافات فى مقاومة المحتل السوفيتى، ومنها «تدمير دبابة بحفنة تراب»، وإسقاط طائرة بفرع شجرة، وحكايات أخرى كان يتم ترويجها عمدا على منابر المساجد، وعلى شاشات التليفزيون، وفى كتب يتم تأليفها بشكل خاص وترويجها على أوسع نطاق وبأرخص الأسعار، وكانت معارض الكتب والصور تنشط بهذه الكتب فى الجامعات المصرية، ويقف طلاب عليها من الجماعات الإسلامية يروجون لها، ويتفننون فى ذكر معجزات وهمية، وصلت إلى حد أن الله سبحانه تعالى أرسل ملائكته إلى جانب «المجاهدين» للقتال ضد «الملحدين السوفيت».

أحدث هذا الأمر انتكاسة كبيرة للعقل المصرى والعربى والإسلامى، ودخل فى غيبوبة كبيرة أدت فى المقابل إلى نمو هائل فى التيارات التكفيرية الإرهابية، ساعد عليه وبقوة مجمل السياسات القائمة الفاشلة فى الديمقراطية والاقتصاد والسلام مع إسرائيل والتبعية لأمريكا، والتفاوت الطبقى الرهيب الذى تجسد فى أقلية تملك الثروة، وأغلبية ساحقة تعيش تحت خط الفقر، ومرت هذه السياسات فى ظل فساد استشرى فى كل مؤسسات الدولة.

كان الخطاب الدينى المتخلف هو سند لكل هذا الانحطاط، وبينما كان العالم يواصل تقدمه العلمى من أجل البشرية، كان رجال هذا النوع من الخطاب الدينى يصرفون الناس إلى مناقشات عن الجن، وغيرها من القضايا التى تستهلك الوقت دون فائدة وتبدد طاقة التفكير فى غير محلها، غير أن هناك حقيقة فى كل ذلك علينا إدراكها جيدا، وهى أن الخطاب الدينى هو نتاج بيئة سياسية وفكرية شاملة، فتجديده لا يكون بقرار، وعلى مدى تاريخنا توجد المؤلفات العظيمة فى التجديد الدينى، وفى المقابل توجد المؤلفات المتخلفة، غير أن السياسات القائمة هى التى ترفع من هذا، وتحط من ذاك، والتذكير بما دار فيما سمى بـ«الجهاد فى أفغانستان» دليل عملى على ذلك، وخلاصة القول أن الخطاب الدينى لا ينفصل أبدا عن بيئته السياسية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة