لا أعرف إلى متى ستظل فكرة الانتخابات مؤجلة فى ثقافتنا السياسية، فحتى عشر سنوات فقط لم يكن لدينا سوى انتخابات مجلس الشعب وانتخابات النقابات المهنية والعمالية فقط، فالرئاسة من نصيب الاستفتاء وكل المناصب الكبرى رهن التعيين، لقد توقعنا أن تفتح ثورتا يناير ويونيو الباب واسعًا أمام ثقافة الانتخاب، وأظن أن أساتذة الجامعة بذلوا شوطا مهمًا فى تعزيز فكرة الاختيار الحر من خلال صندوق الانتخابات، لكن يبدو أن العراقيل التى تعترض عجلة التقدم الديمقراطى مازالت مغروسة فى أرض السلطات.
يدور الآن كلام كثير حول حركة تغيير واسعة تشمل العديد من المحافظين، وكل يوم نطالع فى الصحف أنباء حول هذا الموضوع، وأمس الأول نشرت «اليوم السابع» موجزا لفحوى الاتصال الهاتفى الذى أجراه رئيس الوزراء إبراهيم محلب مع صديقنا الأستاذ عادل السنهورى رئيس التحريرى التنفيذى، حيث أكد له محلب أن لا مجاملات فى اختيار المحافظين، وهو كلام طيب لا ريب، لكن السؤال: لماذا نظل أسرى التعيين؟ ولم لا نتمتع بنعمة المفاضلة بين المرشحين لاختيار الأنسب؟
لا تقل لى إن الشعب لم يرتق بعد إلى مستوى يدرك فيه الفروق بين الصالح والطالح من المرشحين، مبررًا ذلك بأن المحافظ منصب خطير يحتاج إلى رجل حكيم يمتلك مهارات فائقة، ذلك أننى سأرد فورًا بأن الشعب المصرى بلغ سن الرشد السياسى، وبعد أن ثار ليطرد عصابة مبارك ثار مرة أخرى ليطرد عصابة الإخوان، وذهب بالملايين ليختار رئيس الجمهورية بين اثنين تقدما للظفر بأرفع منصب فى الدولة، أى أننا نأتمن دولة مصر كلها على وعى الشعب فى اختيار رئيس لها، ولا نثق فى قدرة هذا الشعب على اختيار محافظ؟! ثم ما الضامن الذى يدفع المحافظ إلى العمل لنيل ثقة أهالى محافظته؟ إنه سيعمل لكسب رضا من قاموا بتعيينه فى المقام الأول، لكن إذا اختار الناس المحافظ من خلال انتخابات حرة نظيفة فسيعمل لهم ألف حساب، وإلا أقدموا على إزاحته فى الانتخابات المقبلة. إن مصر فى حاجة ماسة إلى تدعيم الثقافة الديمقراطية وتعزيزها، فلنمحق ثقافة التعيين الموروثة من عهود ديكتاتورية.