تلك اللحظة التى كنا نخفى أثناءها (الألغاز) داخل كتاب المدرسة ونعمل نفسنا بنذاكر والحقيقة أننا كنا نلتهم سطور الرواية التهاما أبناء جيل الثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضى يذكرون جيدا تلك الحيلة، التى تورط فيها كثير منهم.
أولئك الذين كانت تسليتهم الأساسية روايات الجيب التى كان ثمنها يقل كثيرا عن جنيه واحد وكان يحلو لهم تسميتها بالألغاز، والتى طالما أخفوها بداخل الكتب أو خبأوها تحت البطانية ليطالعوا سطورها بشغف على ضوء الوناسة بعد أن يخلد آباؤهم للنوم، مَن مِن أبناء هذا الجيل لا يتذكر تختخ ونوسة ولوزة ومحب وعاطف المغامرون الخمسة، من منا لا يتذكر أدهم صبرى ومنى توفيق وقدرى البدين ونور الدين محمود، من منا لا يتذكر العجوز رفعت إسماعيل والخيالية عبير وغيرهم من أبطال وبطلات (الألغاز)، أبطال ما قبل ثقافة التيك أواى، أبطال ما قبل الفضائيات والتوك شو والفيس بوك والبلاى ستيشن والسمارت فون والتابليت والإكس بوكس.
القراءة كانت دوما ثابتا فى حياتنا على اختلاف مشاربها وتنوعاتها وتطورها عبر المراحل العمرية المختلفة، أين كل ذلك الآن؟ أو على الأقل أين بدائله المعاصرة؟ ما الذى يقرؤه أطفالنا وشبابنا اليوم؟ لا شك أنهم يقرأون فلا يوجد على ما أعتقد من لا يلاحظ هذا الكم من الوجوه الشاردة والأعين المنهمكة فى مطالعة الأجهزة المحمولة فى كل مكان حولنا.
نعم الشباب يقرأون، لكن السؤال الذى يطرح نفسه ما الذى يقرأونه؟ وهل مطالعة الفيس بوك لساعات طويلة وقضاء الأوقات فى دردشات (الشات) أو خناقات تويتر أو متابعة إعجابات الصور السيلفى، التى التقطها لنفسه يعد قراءة ويبنى حالة من الثراء الثقافى، هل الاكتفاء ببضعة سطور لمنشور (بوست) على هذه الصفحة أو تلك لا يلبث قارئه أن يمل بمجرد أن يزيد المنشور عن سطرين أو ثلاثة ليسارع بكتابة التعليق العتيد : يا راجل كبر مخك هو أنا لسه هأقرأ كل ده، هل هذه النفسية المتسرعة، التى لا تصبر على دقائق من المطالعة ستكبر لتكون يوما قيادة فكرية عميقة أو عقلية قادرة على التغيير والتأثير فى واقعها المحيط، وهل ما يقرأونه يعد فعلا قراءة؟!
طبقا للتقرير العربى الأول للتنمية الثقافية، والذى صدر عام ٢٠٠٧ وشاركت فى رعايته المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا فإن دوافع استخدام الإنترنت لدى المواطن العربى يأتى فيها دافع الترفيه أولًا بنسبة ٤٦٪ بينما دافع التماس المعلومات يبلغ ٢٦٪، يعنى حتى عبر عالم الإنترنت تأثيرنا محدود للغاية واستخدام شبابنا له يعد بشكل غالب غير مفيد، أما لو ذهبنا لإحصائيات الكتب فإن النتيجة ستكون أشد إيلاما والأرقام ستسبب حزنا أشد على حالنا، فطبقا لنفس التقرير السابق إجمالى عدد الكتب التى نشرت فى العالم العربى كله فى ذاك العام بلغت ما يقارب 28 ألف كتاب بمعدل كتاب لكل 12 ألف مواطن عربى، بينما هناك كتاب لكل خمسمائة مواطن إنجليزى، وكتاب لكل تسعمائة ألمانى، وطبقا لنفس التقرير فإن معدل القراءة فى العالم العربى لا يتجاوز ٤٪ من معدل القراءة فى إنجلترا.
هذا هو للأسف واقع أمة إقرأ بالنسبة للقراءة والمعرفة. واقع آثرت ألا أذكر جميع إحصائياته خشية التطويل لكنها باختصار تؤدى إلى تلك النتيجة المؤسفة حتى على مستوى التسلية التى لا يحلو لنا تقليد الغرب فيها إلا بالمنطق الاستهلاكى السطحى، بينما شبابهم حين يتسلون فإنهم أيضا يقرأون، لقد انتقلت ثقافة (التيك أواى) إلى عقولنا حتى صرنا نتعامل مع المعرفة، كما نتعامل مع الوجبة الخفيفة، وهذا حال من يتناولون تلك الوجبة، فما بالك عزيزى القارئ بمن يأبى تناولها أصلا ولا يرى لها قيمة ويكتفى فقط بالتحسر على الحال، الذى وصلت إليه أمتنا دون أن يفكر يوما أنه جزء من المشكلة وأنه أيضا لا يقرأ.