يعرف المراقبون لحركات الإسلام السياسى، أن نظام مبارك، باقتراح وزير داخليته حبيب العادلى، أفسح المجال للحركات السلفية للتصدى للإخوان بالمزايدة عليهم دينيا، لأن السلفيين يعولون على مظاهر دينية ستجعلهم موضع ثقة الشعب، لكن حدث العكس بمصر فتوحشت «السلفية الحركية» فاحترفت السياسة وخاضت الانتخابات، وبعدها ظهرت «السلفية الجهادية» التى حملت السلاح وانضمت لتنظيمات إرهابية كـ«داعش» وغيره.
الاستخدام السياسى للحركات الإسلامية لعبة بالغة الخطورة، والمؤسف أن الأنظمة المتعاقبة على حكم مصر وغيرها لم يتعلموا الدرس، فتتقن أجهزة الأمن «تحضير العفريت» ببراعة لكنها تفشل فى صرفه.
ويبرز تساؤل: إذا كان ضروريًا وجود «ظهير دينى» فلدينا الأزهر بديلاً رسميًا، والطرق الصوفية شعبيًا، خاصة أنها متجذرة بالمجتمع منذ قرون، فقد كان أول وأبرز المتصوفة «ذو النون المصرى المتوفى سنة 245هـ، والصوفيّة ليست جماعة دينيّة كالإخوان والجماعات السلفيّة، لكنها «طرق سلوكيّة» تستهدف السموّ بأخلاقيّات أتباعها الذين يقدرون بالملايين، ويؤمنون بأنّ شيخ الطريقة يُخطئ، لذلك ليس لديهم مبدأ الطاعة العمياء، وتكاد لا تخلو قرية مصرية من ضريح، وتنتشر الموالد كاحتفاليات شعبية بسمت دينى سمح ومُسالم، وبالإضافة لتأصل التصوف اجتماعيًا خلافًا للسلفية الدخيلة، فإنهم يؤيدون الحاكم كما حدث مع عبدالناصر حين كان عددهم يقدر بثلاثة ملايين ينتظمون فى 60 طريقة، ساندته بمعركته ضد الإخوان وأصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية محمد علوان بيانًا بمولد الرفاعى عام 1965م لمناصرته، وفى ديسمبر 1967م سار أكبر موكب صوفى دعمًا لناصر عقب هزيمة 1967.
ووفقًا لتقديرات مشايخهم يبلغ عدد الطرق الصوفية المنتشرة بمصر 78 طريقة، تشمل نحو عشرة ملايين مواطن، تتفاوت مستوياتهم الاجتماعية والثقافية من أرفع الطبقات لأبسطها، لكن تسود بين بعض شيوخهم قناعة مفادها ترك السياسة والتفرغ للتصوف وصفائه وضرورة الفصل بين الدين والسياسة، لكن الأجيال الشابة رأت ضرورة تناغم الممارسات السلوكية وإصلاح الشؤون العامة، باعتبارها درجة رفيعة للتجرد والزهد، وبالفعل تأسس أول حزب صوفى هو «التحرير المصرى»، كما شكلت قيادات شبابية صوفية «ائتلاف الصوفيين المصريين» وانخرط فيه أكثر من عشرة آلاف صوفى للمشاركة الفعالة بالمسار السياسى الجديد، وتتبارى الأحزاب السياسية لاستقطابهم لإدراكها تأثيرهم وانتشارهم بشتى ربوع مصر.