ضربة البداية فى العام الدراسى الجديدة فى المدارس غير مبشرة وليس فيها جديد، ووزير التربية والتعليم الجديد شاهد بنفسه حجم الفوضى والعشوائية واللامبالاة داخل المدارس من الطلبة والمدرسين والمديرين دون مراعاة لأية قوانين أو تعليمات أو تهديدات، نفس الدائرة الفارغة التى ندور فيها كل عام دون فائدة أو نتيجة، إنفاق حكومى ضخم على التعليم الرسمى دون عائد حقيقى أو منتج تستفيد منه الدولة فى خططها التنموية ومشاريعها القومية، فالحكومة لا يهمها سوى الشكل التعليمى وليس مضمونه، بناء مدارس وتلميعها وفرش أثاث مدرسى دون حدوث التغيير الحقيقى المطلوب فى بنية العملية التعليمية فى مصر التى ضج الخبراء والمتخصصون والمواطن العادى فى المطالبة به، وبالثورة فى التعليم المصرى الذى يعيش كارثة حقيقية وانحدارا غير مسبوق، وأصبح «سلعة وتجارة» تستنزف أموال المصريين، بل وأصبحت تجارة تنافس تجارة السلاح والمخدرات، وتتفوق عليهما من حيث الأرباح الطائلة لأصحاب المدارس، بعد أن فقد الناس الثقة فى المدارس الحكومية، حوالى 48 ألف مدرسة، وفقدوا الثقة فى التعليم الحكومى برمته. ويبدو أن هذا كان هو الهدف، وكان هو المستهدف طوال الـ30 عاما الماضية، لضرب التعليم المصرى فى مقتل، وبالتالى الأمن القومى للبلاد.
جيلنا شاهد فى السبعينيات وأول عام أو عامين من الثمانينيات، كيف كان الحال فى مدارس الحكومة، وماذا كنا نطلق على المدارس الخاصة ومن يلتحقون بها من أصدقائنا وأقاربنا. كنا نطلق عليها «مدارس البلداء والفاشلين»، فمعنى أن تلتحق فى زمن الستينيات والسبعينيات بمدرسة خاصة فأنت فاشل وبليد، وتذهب إلى مدرسة فاشلة بـ«الفلوس».
وسبحان مغير الأحوال، انقلب الحال بفعل فاعل تحت خديعة ووهم كبير اسمه الاقتصاد الحر والسوق «المفتوح»، وتخلت الدولة عن دورها فى تقوية البنية التعليمية للتعليم الحكومى لصالح تجار وسماسرة الانفتاح الذين تاجروا فى كل شىء حتى العقل المصرى والهوية والثقافة المصرية، فوصلنا لما نحن فيه، ومع ذلك فالحكومة لأن «فلوسها كتير» وتصيبها بالحيرة، فمازالت تنفق بسخاء على تعليم لا جدوى منه، 76 مليار جنيه هذا العام، بدون ثورة حقيقية وتغيير شامل حتى تستعيد الدولة زمام أمور التعليم ويصبح العائد والمحصلة إيجابيين.