يحتاج الدعاة فى أيامنا هذه إلى من يأخذ بأيديهم إلى الصواب ويجنبهم الوقوع فى الأخطاء الكبرى التى تنفر الناس عن الدين أو تصرفهم عنه، وعلينا اليوم أن نملك الشجاعة الأدبية التى تجعلنا نقرر أن بعض الذين ولجوا ميدان الدعوة دون تأهل علمى ودون استحقاق عقلى ونفسى يسيئون إلى هذه الدعوة العظيمة أو ينفرون الناس منها ليصدق عليهم قول النبى الكريم، صلى الله عليه وسلم: «أفتان أنت؟».. وقوله: «إن منكم منفرين»، واليوم أعرض لبعض القواعد التى أراها ضرورية لكل داعية، أولا على الدعاة اليوم أن يزرعوا الإيمان قبل الفرائض، وأن يهتموا بأداء الفرائض قبل النوافل، واجتناب الكبائر قبل الصغائر. ثانيا عليهم أن يعلموا الناس فقه الأولويات فى المصالح والمفاسد وفى الأمور كلها، فقد سئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أى العمل أفضل؟.. قال: «إيمان بالله ورسوله».. قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد فى سبيل الله».. قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور». وقد سأل ابن مسعود رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أى الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك».. قلت: إن ذلك لعظيم. قلت: ثم أى؟ قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك».. قلت: ثم أى؟ قال: «أن تزانى حليلة جارك». ثالثا على الدعاة أن يزرعوا فى نفوس الناس أمرين هما: «تعظيم الجناية وتعظيم النعمة»..فلا يستخف بالذنب مهما صغر ويحذره تعظيما لحرمات الله.. ويعجل بالتوبة منه.. ولا يستخف بالنعمة مهما قلت، وأن يشكرها بقلبه ولسانه وجوارحه.
رابعا عليهم أن يحدثوا الناس بما يعرفون حتى لا يكذب الله ورسوله.خامسا أن يدركوا أنه يجوز العدول من الأفضل إلى الجائز تأليفا للقلوب وجمعًا للشمل وتوحيدًا للكلمة.. كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة ثم بنيتها على قواعد إبراهيم». سادسا أنه يجوز كتمان بعض العلم لحاجة مثل: تأليف القلوب، ومثل: أن يكون القوم لا يفهمون معناه ولا يدركون مغزاه، ولذلك كره الإمام أحمد تحديث الناس عن الأسماء والصفات أو متشابهات القرآن، ويحضرنى فى ذلك قول الإمام العظيم على بن أبى طالب: «حدثوا الناس بما يعرفون.. أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟». سابعا عليهم أن يكلفوا الناس بما يطيقون وألا يكلفوهم بما لا يطيقون. ثامنا أن يحببوا الناس فى الله أولاً قبل أن يعرفوهم بتكاليف الشرع.
تاسعا فعليهم أن يبدأوا بالإيمان والتوحيد وليس معنى التوحيد هنا مجرد الأحكام المجردة للعقيدة.. ولكن معنى التوحيد هنا هو إفراد الله تعالى بالعبادة والإخلاص له ومحبته وحسن التوكل عليه.. والصدق معه والإنابة إليه.. والخشوع له والتجرد فى القصد له إلى غير ذلك من المعانى القلبية، ويظن بعض الدعاة أن التوحيد هو مجرد الأحكام المجردة للعقيدة التى تشبه الأحكام الفقهية، وهذا وهم كبير، فكثير ممن يتعلمون هذه الأحكام يفتقرون إلى أبسط معانى الإيمان والتوحيد الحقيقى الذى مستقره هو القلب وليس العقل. عاشرا عليهم أن يتورعوا عن طلب الدنيا من الناس مقابل الدين الذى يعلمونه أو يعطونه لهم، وأن يقتدوا بالحسن البصرى الذى احتاج الناس إلى علمه وزهد فى دنياهم فأحبه الخلق جميعا، وأن يعيشوا بقلوبهم ومشاعرهم مع الحديث العظيم «ازهد فى الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس»، فمن طمع فى دنيا الناس أبغضوه وكرهوه وردوا عليه دعوته ورسالته.. فلم يدرك الدنيا ولا الآخرة.