مع بداية تصويت المصريين فى الداخل والخارج على انتخابات البرلمان الجديد (برلمان ثورة يونيو 2013) تستوفى مصر الاستحقاق الأخير للثورة بالدستور الجديد وبالانتخابات البرلمانية، وعليه نلفت أذهان الشباب المصرى الوطنى إلى أفكار نرجح أن تدبرها يؤدى إلى توحيد الأنظار المختلفة فى تحديد القواعد الأولى الثابتة التى تبنى عليها أعمال صالح مستقبل هذا الوطن من خلال التمثيل الشعبى فى المجلس القادم.
وثقتنا فى عقول الشباب (الذى قام بثورة اختصرت الزمن إلى الأفضل) الراجح المستنير بالمنطق العلمى الحديث، إنها أكبر عون على إعادة النظر فى مذاهبنا السياسية (الآن وقبل الانتهاء من التصويت فى نوفمبر والذى سوف يحدد مستقبل هذا الوطن) لينتفى عنها التناقض وتغادرها الأفكار المعطلة مستحيلة التحقيق على أرض الواقع، وتسلم بذلك من الخطط العقيمة التى رسمت لها على عجل واندفاع الشباب اللحظى، والتى كان من حقها ألا تتبع أو تنفذ (وإصابة كثير من الشباب بعد ثورة يناير ويونيو بشىء من بالإحباط)، ولكنها مع الأسف قد اتبعت من أناس آخرين فى العمل العام، فأنتجت نتيجة سيئة هى إغراء الأمة بالتعلق بالأحلام والأمانى غير الواقعية. وصورت لها بصورة على أنها الآمال الصادقة الممكنة الوقوع.!
ولقد غالا كتاب هذه الخطط السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمرحلة الجديدة فى تزيينها، وتقديمها كل مدة بشكل للشباب الثورى على مقادير غير مناسبة لحال البلاد ولا متفقة مع إمكانياتها من ناحية ولا متفقة مع مصالحها من ناحية أخرى، فلم يطق بعض الشباب إلا حملها على أنها أفكار غير صالحة للعمل بها لمستقبل مصر الواعد، فى الوقت الذى زج أصحاب هذه الأفكار بأنفسهم وبنا إلى مهاوى تحقيقها بوصفها أنها من أمال البسالة والتفانى فى خدمة الوطن الجديد. وما هى فى الحقيقة عندى إلا نزعات من الاضطراب الفكرى الذى كان من أسبابه المبادئ المتناقضة والخطط غير المنتجة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو حتى اقتصادية، والتى وصفها بعض الكتاب غير الحاسبين لنتائجها أدنى حساب أنها أعظم ما يمكن عمله لمصر بعد الثورة. وكأنهم قد خرجوا الآن فقط من كهوف الظلام فلم يروا حال الوطن والمواطن، فلهم كهوفهم فهى أولى بهم وهم أولى بها.
ومهما أنكرنا بحق قول القائلين فى الفترة الأخيرة بوجود اضطراب حزبى وسياسى على كل المستويات، فإننا لا نجاوز الحق إذا قلنا أن الخطط الغامضة التى جرى عليها بعض الكتاب حديثى العهد بالقلم، كانت من أسباب لبث القلق الفكرى فى الشارع المصرى بين الشباب على الأخص (حول نظام الانتخابات والاستحقاقات الدستورية) وتغذيته الوقت، بعد الوقت، بسموم من الوهم وخطأ فى تقدير النافع والضار من سياسات متبعة فى هذا الوطن للإصلاح منذ تولى الرئيس السيسى الحكم.
ليس هذا القلق الفكرى خفيًا يدعو إلى البحث والاستدلال بشىء فهو واضح بين بعض التيارات الشبابية وضوح الشمس، ولا هو صامت يطلب له البيان، بل هو ظاهر يعلن عن نفسه بفصاحة فى تصرفات هؤلاء الشباب اليوم، والفضل يعود لصحائف بعض الكتاب وبعض المغرضين، وعلى ألسن كثير من الذين يتحدثون فى السياسة ويهتمون اهتمامًا مضرًا بمصالح البلد، ولكن المؤكد أنهم يفسدون فكر هؤلاء الشباب ويسوقوهم إلى عدم الثبات على مبدأ واحد وهو وحدة واستقرار هذا الوطن وتقدمه.
ولكن مع ذلك لم يعد من كتاب الطيش وشعرائه، تمجيدًا كأنه قام بمنفعة، وما قام إلا بضرر، وما الأحداث التى جاءت بعد انتخاب الرئيس والدستور الجديد، والقوانين التى سنت وتسن كل يوم، والحريات التى تكتسب، ورجوع الأمة عن سعيها إلى الوراء، إلا نتيجة من نتائج بعض الخطط السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولكن لكى أكون منصفًا، أننا نظلم تلك الخطط إذا نسبنا لها وحدها هذا القلق الفكرى بين الشباب، ولكن لأشبه فى أنها سبب فى تجسيمه وانتشار آثاره.
ولئن عجزنا أن نستأصل الأسباب الطبيعية أو الأسباب التى ليس فى قدراتنا استئصالها، فأقل ما يجب علينا ألا نضيف إليها من عند أنفسنا أسبابًا جديدة تزيد هذا الاضطراب الفكرى المرحلى وأن ندفع بهم فى الانتخابات النيابية ليكون لهم دور فى البناء الجديد الذى وضعوا له حجر الأساس فى يناير 2011 ويونيو 2013، وأن نسعى جهدنا فى قطع فترة الانتقال بسلام وسكون، وأن نعالج ما استطعنا هذا القلق الفكرى ونتائجه عند بعض الشباب، فإن القلق الفكرى هو طريق الشقاء، وسمة الحياة، وداعى العجز والقنوط للأجيال المقبلة. فإتمام أركان الحج لا يستوفى الا بالوقوف على جبل عرفات، والانتخابات أيضًا لا تستكمل حتمًا إلا بتأمين ليس فقط الصناديق بل وبتأمين الطريق إلى الصناديق حتى تستنير عقول الشباب إلى اختيار من يمثلهم فى المجلس الجديد، خاصة أن الشباب فى مصر أكثر من نصف تعداد سكان الوطن."ربى جنب شباب مصر القلق والاضطراب الفكرى ووحد صفهم فى الانتخابات البرلمانية من أجل مستقبل هذا الوطن".
* أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة- جامعة القاهرة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة