"ضرورة تفوير وتطهير المؤسسات الحكومية".. وما أدراك ما المؤسسات الحكومية، وما يلحق بالمواطن من أذى نفسى ومادى من ويلات العذاب والاضطهاد وسوء المعاملة التى يتجرعها هذا المسكين إن ساورته نفسه بالتوجه إلى قضاء مصلحة ما فى جهة حكومية مثل إدارة المرور أو السجل المدنى أو الشهر العقارى إلى آخره.
منطقيًا عندما تطالبنا الدولة بالالتزام وعدم التقاعس عن سلامة كل الأوراق الرسمية التى تضمن للمواطن عدم التعرض لأى مساءلة قانونية، فعليها أن تبادر بالالتزام أولاً وتوفير السبل والإمكانات التى تتيح للمواطن تحقيق هذا الالتزام!
لكن ما يحدث وبكل خجل هو أقصى درجات الإهانة والتطاول على المواطن البسيط والتى فى كثير من الأحيان ما تصل إلى حد الازدراء.
فجميع المصالح الحكومية الأساسية لا تتوافر بها أدنى درجات الآدمية، إذن فالدولة هى المسئول الأول والجانى الأوحد الذى يدفع الكثيرين ممن ضاقت صدورهم بمثل هذه المهازل إلى البحث بشكل أساسى عن الوساطة والمعرفة وربما الرشوة التى قد تخفف عنهم بعض هذا العذاب!
سأروى لكم فى عجالة بعض ما شاهدته من تلك الصفقات فى جهات حكومية مختلفة فى مهامها ومسمياتها لكنها متفقة فى بشاعتها وقبحها.
وقد كانت هذه الواقعة منذ عدة سنوات، كما كانت بمثابة الصدمة الأولى فى عملية التعارف غير السارة بينى وبين المصالح الحكومية !
السجل المدنى لاستخراج بطاقة الرقم القومى الجديدة والتى تحتاج إلى استخراج شهادة الميلاد بالكمبيوتر، والكارثة الأكبر أن كمبيوتر الدولة العقيم عادة ما يظهر أخطاءً فى اسم المدعو أو اسم والده أو والدته، وعليك أيها المواطن. المسكين أن تتردد على هذا المكان ذهابًا وإيابًا حتى تقوم بتصليح أخطاء الدولة التى لم تشارك فى ارتكابها !
وعندما قررت إصلاح خطأ كمبيوتر الدولة، فوجئت بما هو أفظع، فقد بحثت الموظفة المتأففة دائمًا عن سنة ميلادى فى الدفتر المتهالك ذي الأوراق الصفراء التى رأيتها بعينى عندما فتحت الدفتر الكبير تتطاير ومعظمها متآكل غالبًا من الفئران التى تسكن المكان بأريحية شديدة.
وكانت المفاجأة، أن التفتت إلى السيدة فى هدوء تام وعدم اكتراث بأن سنة ميلادى غير متواجدة.
ربما أكلتها الفئران أو تطايرت ذات مرة عند فتح الدفتر لمواطن آخر أو الله أعلم! وعندما ظهرت على وجهى علامات الاندهاش وسألت:
وما العمل؟ شاهدت الغضب يرتسم على قسمات وجهها وقالت؛ وأنا أعمل إيه؟ على فكرة دى حاجة عادية وحصلت لناس كتير!
فخرجت غاضبة وقررت أنه لا بطاقة رقم قومى ولا تعامل مع الحكومة خاصة أن اسمى اتقطع من سجلاتها!
وفى طريقى للخروج قابلنى أحد الموظفين الذى راقب المشكلة دون تدخل، وطلب أن يرى أوراقى، حيث أعدت سرد مأساتى له من جديد، ثم لفت انتباهه بياناتى الشخصية لشغفه الشديد بالعمل فى مجال الإعلام وقالها بالفم المليان (اتفضلى علشان تتصورى للرقم القومى) لم أكد أُصدق ما سمعته !
فتساءلت: كيف واسمى مقطوع من السجلات؟ فكان الرد: (مافيش مشكلة)! وقد كان "واستلمت الإيصال ووصل الرقم للقومى لحد باب البيت!
بالطبع ما حدث لم يسعدنى بل أشعرنى بخيبة الأمل وعمق الفساد وكله حسب هوى السيد المسئول أو مزاج السيدة المسئولة!
أما أحدث تعامل بينى وبين هذه المستنقعات المسماة بالمؤسسات الحكومية كان فى مكتب التوثيق (الشهر العقارى) وتحديدًا فى إحدى المدن الجديدة، والتى تتسم باتساع المساحات وحداثة المبانى.
لكن وبكل أسف هناك طابع لا يخطئه أحد يطبع كل ما يخص المصالح الحكومية بالرداءة وانعدام الآدمية !
فعلى الرغم من المساحات الشاسعة المتاحة بالمدينة، إلا أنه تم تخصيص شقة شديدة الضيق فى مبنى شديد الفجاجة، وبه سكان هم بدورهم متضررون من تواجد مكتب الشهر العقارى المكتظ بالمواطنين بشكل معوق لمدخل وسلم العقار!
ناهيك عن انعدام أدنى درجات التنظيم، والتكدس الذى يصل إلى حد الاختناق والتشابك بالأيدى والألفاظ بين رواد المكان الذين لا يجدون من يجيبهم ولا يرأف بانتظارهم بعضهم فوق بعض والذى يمتد لساعات طويلة، والتى غالبًا ما يفاجأ المواطن المسكين بأن مصلحته لن تنقضى اليوم وربما يلتقط ردًا مقتضبًا من الموظف الموقر بأن توقيت العمل قد انتهى (فوت علينا بكره)!
أثناء تواجدى فى هذا المكان المزرى انتظرت ثلاث ساعات كاملة لا أعلم كيف أصل للموظف المسئول مرورًا بهذا التكتلات البشرية التى لا تصل هى الأخرى، قد فوجئت بسيدة فى منتصف العمر مصابة بحالة من الانهيار التام والبكاء الحارق من سوء المعاملة والتردد يومًا بعد يوم لتحرير توكيل، والمفاجأة الأكبر أن هذه السيدة المنهارة طبيبة مرموقة فى عملها، لكنها فى مثل هذا المكان قد فقدت وقارها وخرجت عن الطوق !
كما علمت من إحدى الموظفات أن السيد المتسبب فى اشتعال الموقف واستشاطة غضب الجماهير إخوانى متلكئ يتعمد إثارة المشاكل وافتعال مزيد من الأزمات!
وحتى أكون منصفة، فأنا ألتمس بعض العذر لهؤلاء الموظفين المساكين باستثناء الحاقدين من الإخوان ومواليهم، والذين يعانون هم أيضًا من سوء المعاملة وقلة التقدير المادى والمعنوى من الدولة، لذا فأمر بديهى أن يتلقى المواطن تبعات هذه الظروف، فكلاهما مظلوم الموظف والمواطن!
ما سبق كان نبذة بسيطة عن بعض المؤسسات الحكومية المهمة، وأقسم أن كل حرف ذكرته هو حقًا ما حدث، ولآلاف المواطنين غيرى آلاف الروايات المشابهة كما تعلمون .
سأكتفى بهذا القدر كى لا أُطيل على حضراتكم، وسأستكمل لاحقاً مأساة المواطنين الذين قررت أن أخوض معاناتهم فى مثل هذه الظروف .
سيادة الرئيس: نرجو من سيادتك سرعة التدخل وتوجيه الحكومة الجديدة بضرورة حل هذه الأزمة الطاحنة وإنقاذ المواطنين من براثن السقوط فى هذا المستنقع الذى لا يليق بمصر.