بدأت، أمس، الكتابة عن كتاب «ابنى يعلمنى» للكاتب والشاعر وائل السمرى، وأستكمل.
وضع وائل نفسه فى موضع «التلميذ» الذى يتلقى دروسا من «المعلم»، والمعلم الذى يعنيه هو ابنه الذى أخذ هذا المقام منذ ولادته ومنذ النظرة الأولى عليه، وفى كل درس من الدروس العشرين التى يشملها الكتاب، نجد ترتيبا زمنيا يحيلك إلى تأمل حالة الأبوة التى تبدأ فور أن يعرف الشخص أن امتدادا له سوف يأتى، ويظل على هذا الحال طوال تسعة أشهر، ولما يولد الطفل، يستوقف الأب، فيتأمله، وكل تأمل هو درس وحده.
فى الدرس الأول: «لا خروج إلى النور إلا بجرح وبكاء»، ينقل الكاتب حالته التى تسبق استقبال طفله، يرويها بسرد يغلب عليه طابع الحكى متنقلا بين ضمير الغائب وضمير المخاطب، وفى الخلفية يقودك إلى تلهف خلاصته حتى تصلك فى قوله: «دقائق قليلة، وتولد حياة شخص آخر، سيكون بين يديك، ماذا ستفعل به؟، كيف تكلمه؟، وكيف تستقبله؟
لا شىء يفوق دهشة الموت سوى دهشة الميلاد»، هذا هو عنوان الدرس الثانى، الذى يشمل أسئلة تولدت من النظرة الأولى حيث تقول لنفسك: «ماذا لو وقفت الحياة هنا، وأنت تحتضن بذراعيك كل الحياة، ماذا لوترك العالم كل شىء للحظة واحدة ليشاركك هذه اللحظة ويعرف أن الله دائما لديه المزيد؟» وتتعدد الأسئلة قدر تعدد الحالة: «هل تفرح بالوليد أم تقلق على حياته؟ هل يدفعك الخوف على ابنك الوليد إلى تذكر هذا الذى تخشاه؟ أم هل أنك تذكرت الأحبة الراحلين، وتمنيت أن يكونوا هاهنا ليشاركوك تلك اللحظة الآسرة؟».
«تتعلم مبادئ الإنسانية من نظرة عين»، هذا هو عنوان الدرس الحادى عشر الذى يخصه الكاتب للأم: (ما من فضيلة يتعلمها الابن إلا وتكون الأم سببا فيها، ما من نقيصة تشين الابن إلا لأن الأم لم تنتبه إليها مبكرا، فالبشر بطبيعتهم طامعون أنانيون ملولون، ووحدها الأم هى من تقدر على تحويل الطمع إلى «طموح» والأنانية إلى «نجاح»، والملل إلى «ابتكار»، هى صاحبة الأسبقية المطلقة فى حياة الإنسان، أول حركة وأول دقة قلب وأول يد وأول عين وأول نظرة وأول ابتسامة وأول وجبة طعام وأول رشفة وأول تلويحة وأول لهفة).
بعد ان ينتهى الكاتب من العشرين درسًا، نجد درسا ختاميًا: «الدرس صفر» وهو درس بنكهة مختلفة، حيث يحدث الأب فيه نفسه، لكن على طريقة التجهيز للقول للابن، وهنا يكون درس الأب الذى يعلمه للابن والذى يكون من خلاصة تجربة الحياة.