علينا أن نواجه أنفسنا كى نصلح من حالنا إننا كشعب نفتقد للضمير الجمعى وتحركنا المصلحة الشخصية لا العامة إلا قليلين، قد يكن بسببنا لسنا طرفا فيه لتراكمات سنين، ولكن النتيجة، أننا اعتدنا أن ننتظر ان تحل مشاكلنا من تلقاء نفسها إما يأسا أو تكاسلا أو تواكلا أو انتظارا للآخر الذى سينوب عنا فى حل مشاكلنا. ولأن المصلحة المباشرة لانتخاب نواب البرلمان غابت فى هذه المرة، كما غابت فى كل الأعوام السابقة أو لم يكن لها وجودٌ ابدا فى ظل أحزاب كرتونية يقع عليها وعلى دولةِ سنينٍ طوال هذا الوزر، إلا من بعد ثورة يناير التى كانت انتخابات البرلمان حاضرة فيها لظروف خاصة جدا لم تشهدها مصر من قبل، حين انقسم بادئ الأمر الشعب قسمين، حتى عاد وتوحد فى النهاية، احدهما انحاز للتيار الإسلامى معلقا عليه الآمال التى فقدها فى أعوامه الماضية، اما لهوىً فى نفسه انتصارا وطمعا وهم قلة قليلة ،؛ابتليت فى انتمائها لا فى الوعى، وثلة اصيبت فى وعيها لا انتمائها وظنت فيهم انهم الأتقياء البررة المخلصون الذين وعدوا وسيخلصون، ولطالما قدموا لهم الخدمات والعطايا حين تجاهلتهم الدولة التى يبدو انها ارتضت لهؤلاء هذا الدور عوضاً عن ظلمها ومساعدة ترفع عبئا عن كاهلها فى نظرة براجماتية قاصرة !
وجملة هذه الطبقة من الناخبين، المتواكلة التى ظنت أن جاءها المخلص الذى سيقلب الأوضاع الاجتماعية كما اقنعها رأسا على عقب، تم حشدهم تارة بالوعد وتارة اخرى بالوعيد وبجزل العطايا وتوفير السبل ومن ثم كان إقبالهم منقطع النظير ! والقسم الآخر الأكثر وعيا وثقافة وانتماء الذين لم يصبهم الفقر كما لم يصبهم بلاء الخزى والعار، ففطنوا لأطماع الإسلام السياسى ولم تدخل عليهم اقوالهم ولا افعالهم ولا حيلهم فنزلوا لينقذوا بلدهم من براثن المتطرفين والتطرف الذى قد تفرضه علينا فئة بعينها لظروف بعينها، ومن ثم كان إقبالهم خوفا ودفاعا وليس طمعا وكان أيضا منقطع النظير وعلى كل انتخابات ما بعد الثورة رغم عزوفهم أيضا عما سبقها ! اجتمعت الفئتان الأولى والثانية فى الثلاثين من يونيو، لما انكشف لهم ما حيق بهم جميعا من خطر، يذودون عن حالهم وبلادهم إلا القلة القليلة التى أصيبت فى انتمائها.
أما فى هذه المرة مقارنة بمرة ثورة يناير وليس قطعا ما قبلها لأنه لا فرق بينهم، فقد غابت كل الأسباب التى سادت الموقف بعيد يناير، لم يعد الخطر بنا محدقا وقد أزيح وانفضح أمر تجار الدين وأحبط الأولون فى أطماعهم معهم وقد باءت كل آمالهم بهم بالخيبة فلم يبلغهم شيئا من هؤلاء المدعون فى عامهم الذهبى الذى حكموا فيه والذين غابوا بدورهم إلى حد كبير هذه المرة، وربما هددوهم أو منعوهم عن الذهاب للتصويت منعا، فآثروا السلامة، أو ان بعض الحاضرين فى المشهد حملوا لهم بعضا من ذكريات الماضى الذى لا رجاء منه فعزفوا عن المشاركة وآثروا الراحة ! أما من غلبتهم قلة الانتماء لا الوعى فقد جلسوا فى مجلسهم ذاك العالى البعيد يرقبون فى عجز مستتر فى شماتة، فهم لا يشتركون ولا يشاركون ابدا إلا اذا " كنا فيها أو فلنخفيها " وقطعا هذه المرة هم ليسوا فيها لأنهم لن يقدروا عليها. اما الفئة الواعية المخلصة، ولا زال ينقصها بعضاً من وعى، الا قليلون ذهبوا، فقد اطمأنت قلوب هذه الفئة غير مخطئة للمرحلة فأمنتها فتكاسلت أو تاهت، فى كثرة المعروض من غير المرغوب فيهم الذين لم يملكوا لهم تغييبا !، فغابت. أو لأنها تاهت فيمن لا هوية لهم فهى لا تعلم عنهم شيئا لأنهم لا يقدمون شيئا ولم يكونوا يصلحوا للكرسى النيابى لأن يقدموا شيئا من الأساس لولا فيض من مال ووابل من طمع وطل من افكار لا تغنى ولا تسمن من جوع، وهؤلاء كليهما، غير المرغوبين ومن لا هوية لهم، من اضروا بالعملية الديموقراطية فبدت وكأنها هزل فى موقع الجد، واستهتارٌ بالجماهير، والنتيجة ان استهترت بهم الجماهير، فهم لم يحفزوا الناخبين فينتخبونهم ولا تركوها للجادين فيترشحون، فغابت الجدية وأحجم كثيرون عن كلتا العمليتين، الترشح والانتخاب ! كان على الدولة فى هذه المرة ترشيد عملية الترشح والانتخاب كليهما معا، والا تتركهما للفوضى كما حدث فتفقد العملية الجدية فى غياب ادنى حد للمعلومات عن المرشحين فيفقد الناخب بوصلته ويعتزل العملية برمتها مخافة أن يضل أو يضلل. وإيمانا منى بان للديموقراطية ثمنا باهظا تدفعه الشعوب لا الأنظمة وهذا الثمن عمر ودم اللذان هما أغلى ما يملك الإنسان فقليل من المادة أيضا لا يضر وقد ينفع، فلست أمانع أبدا من فكرة فرض الغرامات على التقاعس عن أداء هذا الواجب الوطنى، وفاء لأرواح الشهداء وليس هذا عيبٌ فقد سبقنا إلى هذا الغرب حتى أصبح اليوم من الوعى بمكان فلم يعد فى حاجة لمثل هذا الإجراء، كما أن على الدولة دورا فى تهيئة الجو لتكوين أحزاب جادة حقيقية يؤمن المواطن بدورها الفاعل فلا يحجم عن انتخابها وعلى الأحزاب أن ترعى الأمانة وتعلم أن العمل الوطنى واجب وتكليف على كل قادر تقديمه دون أن ينتظر مقابلا وكفاهم خزيا إلا يقيم لهم الشعب وزنا لو كنت منهم لاعتزلت العمل السياسى بعد رد الشعب البليغ عليهم.
هذا رأيى ولست أذهب لما ذهب إليه البعض من فقدان الثقة والمصداقية فى الدولة لأنى لا أرى لذلك سببا واضحا، رغم إخفاق الإعلام وترويجه للسلبيات دون الإيجابيات، فالناخب الذى أودع كامل ثقته من وقت غير بعيد فى مشروع قناة السويس بماله وما كسب لا يفقد الثقة فى الدولة ولا القيادة بعد ساعات معدودات من تحقيق مشروعنا الضخم وإنما هو فقدان ثقة الشارع فى قدرته على حسن الاختيار وسط هذا الخضم من المجهول الذى لم يكتسب ثقته.
* أستاذ بطب القصر العينى.
إيمان رفعت المحجوب
انتخابات مجلس النواب.. العيب فينا وإن لم نكن سببا
الإثنين، 19 أكتوبر 2015 08:16 م