عرفنا قصة طفولة الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى فى قريته «أبنود» بمحافظة قنا، وعرفنا شبابه ورحلته مع الوظيفة فى محكمة قنا، وعرفنا قصة مغادرته للجنوب إلى القاهرة مع الشاعر الفذ أمل دنقل، وشاعر القصة القصيرة يحيى الطاهر عبدالله.
عرفنا سنوات تكوينه الإبداعى والسياسى فى أحزاب اليسار، وسجنه فى معتقلات عبدالناصر، وعرفنا ارتباطه بكل القضايا الوطنية التى خاضتها مصر منذ أن شقت موهبته الشعرية طريقها بقدومه إلى القاهرة فى أواخر الخمسينيات من القرن الماضى.
عرفنا كل هذا من روايات الأبنودى نفسه، الذى حرص على تدوين سيرة حياته، وكان كتابه «أيامنا الحلوة» هو العمدة فى ذلك، بالإضافة إلى كتب أخرى تناولت سيرة حياته أملاها هو، وظهرت فى حياته، غير أن هناك سيرة أخرى تتعلق بأغانيه الممنوعة، وكتبها الشاعر والكاتب الجميل «محمد العسيرى».
السيرة التى كتبها العسيرى هى بعنوان «الأغانى الممنوعة للأبنودى»، وصدرت عن دار «كتابى للنشر والتوزيع»، ويتحدث «العسيرى» عنها بوصفها «صفحات من أجل الحرية الكاملة التى كان يتمناها» الشاعر «الأبنودى»، مثلما يتمناها أى مبدع فى أى مكان فى العالم، ويقول: «هذه الصفحات تفتش عن خمسين سنة كاملة، عن عشرات الأغنيات الممنوعة والمجهولة والمنسية من تراث عبدالرحمن الأبنودى».
عاش «رمان» وهو الاسم الذى أطلقوه على الأبنودى فى قريته «أبنود» نسبة إلى أنها ترتبط بشهر «بابه» القبطى الذى يزهر فيه «الرمان» ولأنه أيضا كان يسرقه من جناين أبنود، وفى هذه القرية عاش «رمان» أيامه الأولى كما يشاء، قضى ست سنوات راعيا للغنم، وصيادا للسمك وقت الفيضان، وصيادا للعقارب من بين شقوق البيوت الطينية، فى المزارع والجناين يجش بيده السمراء الناشفة فى الغيطان، ويسرق رمان السواقى، عاش بالطول والعرض وجسد عار إلا من جلاليب «بفتة» غيرت الصحراء والغبار لونها الأبيض إلى الأزرق الكالح.
عاش «رمان» حياة مليئة بالغناء لا حدود فيها رغم كل قيودها، لكنه فى ظل هذه الحياة تعرض لأول تجربة منع، وكان ذلك عندما ضبطه والده شاعر الفصحى المأذون الشرعى، حارس اللغة وخطيب مساجدها، حيث وجد الأب أن ابنه يكتب لغة غير تلك التى يعرفها ويحرسها ويخطب بها فى المساجد وعلى منابرها، مزق الأب أول دواوين الأبنودى، وكانت تلك أول تجربة منع يتعرض لها ولم يتذكر شيئا فيما بعد مما كان فى هذا الديوان.. ويتبع.