كم من مفاهيم مغلوطة حفظناها ، دون أن نجهد عقولنا فى التفكير والتدبير فيها، وكم من أساطير وخرافات أمنا بها وسرنا وراء الدجالين، ووضعنا أحجبتهم بين طيات ملابسنا للوقاية من الأعمال الشريرة، وكم شربنا من بول الإبل اعتقادا أنه الشافى من فيروس سى، وكم صدقنا تجار الدين بأنهم يملكون مفاتيح الجنة والنار، وكم خٌدِعنا فى نٌخب وشخصيات عامة وسياسيين بشعارات كاذبة، وبيع الوهم.
ومن المفاهيم الخاطئة والكارثية التى حفظناها عن ظهر قلب، ونرددها كالببغاوات، أن مقياس النجاح السياسى مرتبط ارتباطا وثيقا بالحشد أمام اللجان فى الاستحقاقات الانتخابية، وهو مفهوم كارثى لذى عينين مبصرتان، وعقل يفكر، ويرصد ويحلل.
سأسرد دليلين قاطعين واضحين وضوح الشمس فى كبد السماء ، الأول ، فى انتخابات 2010، استطاع الحزب الوطنى أن يحشد الملايين أمام اللجان الانتخابية ، ورأينا الطوابير الطويلة ، والتزاحم المخيف، والاشتباكات العنيفة، واستطاع أن يكتسح الانتخابات حينذاك، ورغم هذه الحشود ، كان هناك حالة من السخط العام من نظام مبارك، وقيادات الحزب الوطنى، ولم تمنع تلك الحشود اندلاع ثورة 25 يناير، ولم تنقذ رقابهم من مقصلة العقاب والعزل، ولم يخرج شخصا واحدا ليطفئ النار المشتعلة فى مقر الحزب.. إذن ماذا فعلت الحشود؟!
الدليل الثانى، الحشود _مع التسليم أن نصفها وَهْم_ التى خرجت لاختيار مرشحى جماعة الإخوان الإرهابية والسلفيين فى 4 استحقاقات انتخابية متتالية وسريعة فى عاماً واحد، أولها برلمان 2012 ، وثانيها فى انتخابات مجلس الشورى، وثالثها فى انتخابات الرئاسة لاختيار محمد مرسى فى منتصف 2012 ، ورابعها فى الاستفتاء على دستور 2012، ومع ذلك، ورغم الخروج والحشد المتكرر 4 مرات، لم تنقذ الجماعة ، عندما خرج الشعب المصرى عن بكرة أبيه وأزاحوا المعزول ورفاقه وعشيرته من الحكم فى 30 يونيو 2013.. إذاً ماذا فعلت الحشود؟!
أيضا أتعجب من الذين يطنطنون بنغمة الشباب وعزوفه عن التصويت فى الانتخابات، رفضا للوضع السياسى القائم، وهو تبرير لا يمت للحقيقة بأى صلة، لأن الانتخابات البرلمانية لا تعبر عن الوضع السياسى والدليل الحشود الجبارة فى انتخابات 2010 ، وإذا أردنا البحث عن كبش فداء، أو شماعة نعلق عليها ضعف الإقبال ، فلا يوجد سوى الأحزاب والقوى السياسية، وأيضا المرشحين.
الدولة وبشكل (نفعى متعفن) ، لا تريد برلمانا، وأن الأحزاب والقوى السياسية بجانب الباحثون عن المقعد المحصن، هم المستفيدون من الحصول على المقاعد والحصانة البرلمانية، وعليهم بذل الجهد فى إقناع الناس بالنزول والتصويت، وليس الدولة التى ليس لديها ظهير سياسى يخوض باسمها.
ولو دققنا أكثر وأكثر ووضعنا النقاط فوق الحروف، ستكتشف أن الدولة لو كان لديها ظهير سياسى يخوض باسمها رسميا، وليس عبر التكهنات، يمكن لنا فى هذه الحالة، قياس شعبية النظام، وطالما لا يوجد حزب ينتمى إليه رئيس البلاد، لا يمكن تحت أى ظرف من الظروف، الربط بين الإقبال الضعيف وبين شعبية النظام .
الأحزاب والقوى السياسية والنخب والمرشحين يتحملون فقط المسئولية وليس الدولة.!!
دندراوى الهوارى
بالأدلة..الحشود الانتخابية ليست مقياسا للنجاح السياسى وشعبية السيسى
الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015 11:55 ص