نازعتنى نفسى إلى أمر غريب ومكروه فى الدنيا بل الشرع أيضاً. عندما تجد بعض من أصناف الناس الذين يحملون طباع غبية وكنود، تسدى إليهم الجميل بعد الجميل، فلا اعتراف به، وهذا أسلوب سافر، فمنهم الطامعون والنصابون والحاقدون وأصحاب الجشع والتكبر والغنى بالحرام.
فالإنسان الذى يضبط ويراقب نفسه على العفة والقناعة فإنه يصبح ذو قدرة المحروم على حكم إرادته، والرضا بالواقع وحسن استغلاله، فقد ورد السخط على الأقدار، فيقول حبيبنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ( خير الذكر الخفى، وخير العيش ما يكفى )، فالناس الآن فى وضع دقيق وحساس يفرض عليهم وعلينا أن نسير بحذر فى تربية أمتنا، وعلاج المشكلات المتناقضة التى استشرت وانتشرت وخاصة فى أركان الأمة، فحب الدنيا وكراهية الموت هى أسباب الانهيار الذى أصاب الناس فى إعصار الدنيا، فالدنيا إذا لم تكن مطية للآخرة فتصبح الدنيا دار غرور وميدان الباطل.
صادفنى فى واقعى الذى أعيش فيه بعض من الناس أصحاب اللسان الطويل، المجادلين فى تسويغ شهواتهم وبسط حاجاتهم، وتحقير ما عندهم، ويعلنون التمرد على أنفسهم، وينعتون بأقبح النعوت فتجدهم يحقدون عليك فى حياتك والنعم التى أعطاك الله إياها، فكل هذا هو مكتوب عند الله وبيد الله، فلماذا العوج فى الحياة والنصب على الآخرين. ماذا لو أن الدين أن لم يؤدب ويهذب هذه النفوس والطباع المريضة ويدربهم على فضائل العفة والقناعة؟
الدنيا تتسع لأقطار الأرض وأعدادها الكثيفة من الناس، فهناك صنفان مختلفان من الناس فمنهم من يؤمن بالله واليوم الآخر، وصنف آخر من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وكلاهما يسعى ويلهث وراء الرزق، فيوفر الضرورات التى لابد منها لنفسه ولأهله، فإذا اطمأن إلى تحصيلها اجتهد وأنعم فى العيش بالمرفهات ويقطع مرحلة من عمره وهو طاعم كاس آمن مسرور. بيد أن هناك خلافاً عميق القرار فى تفكير هؤلاء الصنفان، ولون شعورهما، فالكافر يعبد الحياة لذاتها، ويتمنى ويطلب على أنها الهدف الفذ، والفرحة التى أن ضاعت ضاع كل شيء. فإنه لا يعرف الحياة إلا لفترة متاحة له على ظهر الأرض، ولا يصدق أن وراء هذا العيش عيشاً، وأن بعد هذه الدنيا داراً أخرى، أما المؤمن فهو إنسان نقيض فى فهمه وحكمه، فهو واثق من أن هناك حياة أعظم من هذه الدنيا، ينتقل ويرحل إليها البشر ويخلدون فيها، وأن المحيا على ظهر الأرض وسيلة لا غاية، فهنا الغرس وهناك الحصاد فى الآخرة، فالدنيا هى السباق والآخرة هى النتيجة.
فسحر الدنيا شديد الفتنة، ومعارك أقوات الأرزاق تستنفد كل الطاقات الضخمة وتقيد مشاعر وأفكار كثيرة، فالإسلام يحتقر الدنيا عندما تكون الأمل الذى لا أمل معه، والإنسان إذا ركض فى طلب الدنيا لشىء، إلا الحصول عليها، والاستكثار منها، ثم الموت فى أطوائها، وعبادة الحياة واعتدادها شىء خاطئ شائع، فالإسلام من ضمن تعاليمه العفة والقناعة بما كتبه الله لك، فالرجل الشريف العفيف صاحب القناعة لا يبنى كيانه إلا بالطرق الشريفة، وإذا أتته الدنيا عن طريق الختل، أو الغش أو النصب أو الاحتيال أو الحقد أو الحسد أو التكبر أبى أن يقبلها، ويرى فراغ يده منها، فهو أرضى وأزكى لنفسه.
والمسلم ما دام يطلب الدنيا لتكون عوناً له فى آخرته، وابتغى مرضاة الله، فهو غير مستعد لأن يضحى فى سبيلها بمروءته أو يفقد شيئاً من دينه وضميره، فإنها جاءته عن طريق الحلال والقناعة والعفة بطيب فقبلها، وإلا رفضها ولم يتبعها فى نفسه وأهله. فيقول رسولنا العظيم (صلى الله عليه وسلم) (ازهد فى الدنيا يحبك الله، وازهد فيما فى أيدى الناس يحبك الله)، فدنيا المؤمنين محكومة ومضبوطة بقوانين وحدود واضحة، وهى حدود تعظيم الناس بصراحة عن كل محرم، وترسم لهم أسلوب العيش والانتفاع به إلى حين، وتأخذهم بأدب واضح من التعفف والقنوع بحجزهم عن الأهواء والأطماع، مما يدفعهم إلى طريق الاعتدال والقصد فى العفة والقناعة.
كم يطوى الليل والنهار من جراحات وضحايا وفقر ومظالم فى أعقاب هذا العراك المادى السفيه، فالناس إذا عاشوا باكتفائهم الذاتى وعرفوا مواردهم جيداً ثم ضغطوا شهواتهم ورغباتهم وعاشوا فى حدود ما يملكون لاستراحوا وأراحوا.
محـمد شـوارب يكتب: الناس إذا اقتنعوا بما يملكون لاستراحوا وأراحوا
الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015 12:00 م
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة