«عمر الشريف بطل أيامنا الحلوة».. عنوان كتاب من تأليف الناقدة السينمائية والكاتبة الصحفية ناهد صلاح والصادر عن دار مصر العربية للنشر والتوزيع ومكتبة أطياف، وقبل الحديث عنه، فالعنوان نفسه يحاكى واقعا ملموسا فى حياتنا قديماً وحديثاً، وهو تعلق بنات حواء بعمر الشريف، واعتباره فارس الأحلام الذى يبحثون عنه دائماً فى كل الوجوه التى يعرفونها، وهو ما أوضحته الكاتبة فى إهداء خاص إلى والدتها بمقدمة رومانسية قائلة: «إلى أمى علمتنى فى الصغر أن عمر الشريف هو الرومانسى الأعظم وأدركت فى الكبر أن الأمر مختلف، لكنى صدّقت أمى».. كما أشارت ناهد صلاح إلى أنها استقت فكرة مقدمة الكتاب من شغف قديم لفتيات جيلها بشخصية عمر الشريف، حيث كان كل واحدة منهن ترى فيه نموذجاً لفارس الأحلام، وسيماً ورومانسياً ولديه شامة حُسن تحت عينيه الساحرة، مواصفات الحبيب الذى يُحلق بحبيبته حتى سابع سماء، كما وردت ملامحه وتفاصيله فى حكايات الجدات والأمهات.
منذ الوهلة الأولى لبداية قراءة الكتاب، تجد أن المؤلفة نجحت فى الخروج من الشكل النمطى فى كتب السير الذاتية الخاصة بالمشاهير، لأنها لم تعتمد على رصد لحياة عمر الشريف، بل التقطت العديد من التفاصيل التى لا يجيد الانتباه إليها إلا الروائيون، وبطريقة سلسة لعبت لعبة «البازل» فى ترتيب المعلومات التى استندت إليها فى حوارات سابقة له وذكرياتها فى مقابلته، مستعينة بخيال درامى جعل الكتاب أشبه بسرد روائى مصور كما لو كان فيلماً سينمائياً، بل إنه سيناريو جاهز للتصوير. لعل أهم ما يميز الكتاب أيضاً، طريقة سرد قصة فاتن حمامة وعمر الشريف كواحدة من قصص الحب التاريخية، كنوع من الاحتياج المُلح لرومانسية فى زمن يابس وصعب.
المؤلفة وسط حديثها عن حياة عمر الشريف، حرصت وبحرفية دقيقة على رصد حالة المجتمع المحيط به، سواء سياسياً أو اجتماعيا بطريقة لا تشعرك بالملل، بل تقودك إلى الاستمتاع بالقراءة والتخيل، فعند ذكر مدينة الإسكندرية مسقط رأسه، تغوص فى بحور الزمن الجميل لتلك المدينة الكوزموبوليتانية التى كان ثلث سكانها فى أوائل القرن الماضى من جنسيات وثقافات متعددة تعايشت مع بعضها فى سلام، كما تلتقط الحديث عنها بوصفها بأنها «النبع اللغز» للفن والسحر والمقاومة والتسامح والعجائب والتناقضات، بطريقة تجعلك صامتاً وكأنك تصغى لأغنية قديمة عن الإسكندرية بصوت جورج موستاكى، أو بصوت فيروز أو داليدا أو كلود فرانسوا، أو حتى بصوت الشيخ إمام (يا إسكندرية بحرك عجايب.. ياريت ينوبنى من الحب نايب.. تحدفنى موجة على صدر موجة.. والبحر هوجة والصيد مطايب).
تسعة فصول بأسماء مختلفة تسرد المشوار الإنسانى والفنى لعمر الشريف منذ أن كان اسمه «ميشيل»، تتحدث عن الميلاد والنشأة، وعن والدته وشخصيتها الاستحواذية وتأثيرها فى رؤيته للحياة، كما تحكى التحول الذى حدث له بعد التخرج، وشغفه بالتمثيل الذى بدأه مع مسرحيات شكسبير فى المدرسة، حتى وقف بطلاً لأول مرة أمام فاتن حمامة فى فيلم صراع فى الوادى، ثم قصة إشهاره إسلامه، وتغيير اسمه إلى «عمر» وزواجه من فاتن حمامة، وصعوده فى السينما المصرية قبل أن ينحو إلى العالمية بعد أفلام صغيرة مثلها فى أوروبا، حتى اختاره المخرج البريطانى ديفيد لين لدور رئيسى فى فيلم «لورانس العرب» الذى كان مفتاحه نحو العالمية.. بالإضافة إلى أسرار انفصاله عن فاتن حمامة، وعلاقاته النسائية، وانغماسه فى عالم البريدج والقمار، وكذلك يكشف عن مساحات مجهولة فى حياته مثل علاقته بجمال عبدالناصر وأنور السادات ودوره المزعوم فى معاهدة كامب ديفيد، فضلاً عن حرصه الدائم على جنسيته المصرية، ورفضه الحصول على أى جنسية أخرى، كما يتناول الغموض الذى اعترى شخصيته فى سنواته الأخيرة حتى إصابته بالزهايمر وحتى رحيله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة