فى «يوميات نائب للأرياف» لتوفيق الحكيم الصادرة منذ 78 سنة، يتحدث مأمور إحدى قرى الصعيد، عن براعته فى تزوير الانتخابات قائلا: «دى دايماً طريقتى فى الانتخابات، الحرية المطلقة، أترك الناس تنتخب على كيفها، لغاية ما تتم عملية الانتخابات، وبعدين أقوم بكل بساطة شايل صندوق الأصوات وأرميه فى الترعة، وأروح واضع مطرحه الصندوق اللى إحنا موضبينه على مهلنا»، وظلت روح هذا المأمور خالدة بيننا فى مختلف العصور، وتحسم المعارك الانتخابية بصور شتى، إما بالتسويد نيابة عن الناخبين، أو باستدعاء الموتى والغائبين والمسافرين، وابتكارات أخرى مثل «غزوة الصندوق» والبطاقة الدوارة، ورفعت البرلمانات شعار «سيد قراره»، لإضفاء الحماية على المزورين.
الميزة الكبرى للانتخابات البرلمانية الأخيرة أنها أعادت الصناديق لأصحابها، وصار الناخب هو سيد قراره، وتراجع الدور التاريخى للمأمور إلى مجرد تأمين اللجان من الخارج، وكان من المفترض أن يصاحب ذلك، تزايد الأقبال ويستيقظ اليائسون من الانتخابات، بسبب السطو على إرادتهم وتزوير أصواتهم، وأن تسترد الحياة السياسية الكتلة الصامتة وحزب الدكة، ولكن بقى الوضع على ما هو عليه.
فى رأيى أن الذين صوتوا فى المرحلة الأولى، كانوا الأكثر إحساسا بخطر حزب النور والإخوان، ووجهوا لهم رسالة قاطعة «انتهى الدرس»، وكما اختطفم الوطن بشيطنة الديمقرطية، استعدناه بنزاهة الديمقراطية، ولن تخدعونا مرة أخرى بشعاراتكم، ولن تزايدوا علينا باللحى المنكوشة وأكياس السكر وزجاجات الزيت، وكانت اللطمة موجعة وقاسية، ليعرف هؤلاء حجمهم الهزيل وشعبيتهم الكاذبة.
فى رأيى أيضا أن المقاطعين أرادوا توجيه رسالة واضحة للحكومة «إحنا زعلانين»، فقد خيبت آمالهم، ولم تكن فى مستوى طموهم المشروع ومطالبهم العادلة، فالتحسن البطىء تقابله سلبيات أسرع، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هل من الكياسة السياسية فى موسم الانتخابات أن يرفع البنك المركزى سعر الدولار، دون دراسة متأنية وحوار مجتمعى، فيربك الأسواق ويشعل الأسعار؟ إنها رسائل المرحلة الأولى التى يجب دراستها جيدا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة