لم أصدم من حجم الكتابات والتحليلات التى كتبت عقب فضيحة إحجام المصريين عن النزول للجان الانتخابات البرلمانية فى مرحلتها الأولى. الصدمة الوحيدة هى نوعية التحليلات التى وصلت إلى أن يزعم بعضها أن المقاطعة موجهة للرئيس السيسى نفسه، وأنها نوع من الانتفاضة، وغيرها من الوصفات التى تبنتها جماعة الإخوان، وأنصارها من مراهقى يناير وكارهى حكم السيسى، بينما ذهب البعض إلى أن يقول، إن المقاطعة هى تأييد للسيسى، لأن شعب مصر لا يريد أى سلطة تزاحمه فى الحكم، حتى لو كان مجلس النواب نفسه، والحقيقة أننى لست مع أى من وجهتى النظر، لأن كليهما لم يفهما شعب مصر، وهو شعب ما زال يحتاج من ينتخب له ويعمل له، شعب لا يعرف سوى المظاهرات، شعب تفوق على اليهود بأنه يحب دائما أن يكون فى حالة المسكنة، وأنه ضحية، وأنه لا يفهم لغة الصندوق.
والحقيقة أننى لم أفاجأ بما فعله شعب مصر، فمن خرج للانتخابات البرلمانية، لا يثق فى هذا المجلس، ويذهب البعض إلى أنه مجرد ديكور، وأن كل مكاسبه الدستورية مجرد حبر على ورق، وأن الرئيس سيظل هو الأول فى كل شىء، والدليل، حجم الذين صوتوا فى انتخابات الرئاسية والتى فاقت حجم البرلمانية حتى الآن.
ولقد أعجبنى ما كتبه الإعلامى أشرف الصباغ حول هذه الانتخابات، حيث قال: «إن وسائل الإعلام المصرية رأت أن الحكومة لو كانت قد منحت الموظفين عطلة ليوم كامل، لما ذهبوا إلى مراكز الاقتراع، وبقيت معدلات الإقبال كما هى، لكن المدهش أن لهجة وسائل الإعلام الحكومية، وغير الحكومية «التابعة لرجال الأعمال»، تغيرت بشكل يثير الدهشة والتساؤلات». فبعد أن كانت تتحدث عن «الشعب المصرى العظيم»، و«الشعب المصرى الواعى»، و«الشعب الذى يعى مصالحه بعد ثورة 30 يونيو»، و«الشعب الذى يدعم الرئيس»، انقلب الحديث خلال النصف الثانى من يوم 18 أكتوبر الحالى، إلى انتقادات «للشعب الذى لا يعى مصالحه» و«الشعب الذى لا يدعم الرئيس» و«الشعب غير الواعى»، وتصاعدت لهجة الانتقاد للمصريين، عقب إغلاق مراكز الاقتراع فى اليوم الأول، ألم أقل لكم، إن الانقلاب فى المواقف لم يكن فى الشعب فقط، بل فى وسائل الإعلام أيضاً.. وللحديث بقية.