تتميز مصر دون غيرها من كثير من الدول الآخذة فى النمو بوجود موارد وثروات معطلة، وذلك قد يكون من الممكن، على الأقل من الناحية النظرية أو من الناحية العملية كما أثبتت الأبحاث حديثة العهد من اكتشافات الغاز وغيرها .
لذلك قد تلجأ الإدارة المصرية من خلال "البنك المركزى" إلى "تخفيض سعر الجنيه" أمام الدولار كل فترة وإلى "الإصدار النقدى الجديد"، لتشغيل هذه الموارد مرحلياً، لحين تحصيل عوائد منها، غير أننا ننبه إلى أن هذا التحليل فيه كثير من الخطأ – وليس صحيحاً فى إطلاقه، وذلك لأن البلاد الآخذة فى النمو كمصر، تتصف من ناحية أخرى بصفة سلبية، وهى عدم توافر كل العوامل اللازمة للتنمية الاقتصادية المتكاملة، ولما كانت درجة مرونة الجهاز الإنتاجى عندنا تعتبر قليلة، لعدم توافر كل مستلزمات الإنتاج، لتغطى الطلب المحلى كما ذكرت، تصبح المشكلة أكثر تعقيداً، لأن درجة مرونة الأجهزة الإنتاجية هى التى تحدد مدى ملاءمة الالتجاء إلى الإصدار النقدى الجديد أو إلى تخفيض قيمة العملة، وبأى مقدار فى تمويل التنمية المطلوبة.
وحتى نكون أكثر دقة فى تحديد مدى جدوى الاعتماد على "السياسة النقدية" فى الإصدار الجديد وتخفيض قيمة العملة معا، نفضل ونحن فى هذا الصدد أن نفرق بين مرحلتين من مراحل التنمية فى مصر: الأولى؛ مرحلة ما قبل البدء فى التنمية (من 2011 إلى 2015)، وفى هذه المرحلة كان الجهاز الإنتاجى قليل المرونة، لعدم توافر كل الموارد اللازمة للتنمية الشاملة (بل وكان الاقتصاد يعانى من ركود واضح)، والثانية؛ مرحلة ما بعد البدء فى التنمية (من 2015 إلى نهاية الخطة الخمسية 2020)، وفيها يتوقع أن يكون الجهاز الإنتاجى قد حقق درجة من المرونة الكافية، عن طريق استيراد بعض المواد والآلات اللازمة وعن طريق القدر الذى سوف يتم من التنمية الاقتصادية الشاملة، ويشترط لإمكان زيادة درجة مرونة الجهاز الإنتاجى فى هذه المرحلة المقبلة استمرار تعطل بعض الموارد والثروات.
وحيث إن المرحلة الأولى قد انتهت، وما فات من إصدار جديد وتدنى فى قيمة الجنيه قد ظهرت نتائجه على الاقتصاد بشكل عام، بقى أن نحلل لننبه لمتطلبات المرحلة الثانية القادمة – أى مرحلة الجهاز الإنتاجى الأكثر مرونة من سابقته، فمع تحقيق قدر من الإصلاح الاقتصادى عام 2014 – 2015، فقد بدأت مرحلة من مراحل التنمية بأن استجلبت من الخارج بعض الآلات والموارد إلى جانب تشغيل جانب لا بأس به من المصانع المعطلة ودخول السوق مشروعات اقتصادية جديدة، والتى تحقق لجهازنا الإنتاجى بعض المرونة فى ميادين عديدة.
وهنا نرى أنه لا مانع من الالتجاء إلى الإصدار النقدى الجديد (أى طباعة النقود) أو تخفيض نسبى للجنيه أمام الدولار والعملات الأخرى، ولكن بحساب دقيق بغرض زيادة درجة مرونة الجهاز الإنتاجى فى مراحله الثانية (2015 – 2020)، وذلك لتشغيل الموارد المعطلة فى الداخل ورغبة فى التصدير وتغطية متطلبات السوق المحلى، إذ كلما قلت الموارد المعطلة وزادت الموارد العاملة فإن القدرة على التوسع فى الطاقة الإنتاجية تقل وتزداد، تبعاً لذلك، مع مراعاة عدم الالتجاء إلى الإصدار الجديد (فى المطلق) أو التعويم الكامل للجنيه حتى إذا ما وصلت مصر إلى مرحلة التشغيل الكامل، وجب علينا أن نتوقف تمامًا على الاعتماد على الإصدار الجديد أو تخفيض العملة فى تمويل مشروعات التنمية الشاملة.
ومما تقدم نخلص إلى أننا إذا أردنا أن تعتمد على الوسائل الداخلية فى تمويل التنمية الاقتصادية، يجب أن نلجأ إلى تكوين "ادخار قومى" فى صورة عينية، للتصدير إلى الخارج لنشترى بثمنه الآلات والمعدات اللازمة للتنمية. ولذلك فإننا نجد وجوب زيادة درجة مرونة الجهاز الإنتاجى والزراعى والصناعى والخدمى أيضا فى قطاعات عدة وأهمها السياحة.
حتى يزيد الادخار العينى اللازم للتصدير دون أن يضر بالاستهلاك (خاصة مع تخفيض قيمة الجنيه الأسبوع الجارى أمام العملات الأجنبية، مما يدفع التصدير والصناعة المحلية لتحل محل الاستيراد إن وجد البديل المحلى)، مع مراعاة عدم الإفراط فى الإصدار النقدى الجديد تحسباً لارتفاع الأسعار، لأنه إذا ظل الحال على ما هو عليه من زيادة فى الاستيراد سوف تفضى تلك السياسة النقدية إلى إصدار أوراق نقدية لا قيمة لها وإلى سلسلة من التدهور فى قيمة الجنيه أمام الدولار، وهو ما سوف يرفع سعر فاتورة الاستيراد، وبالتالى الأسعار، وندخل فى دائرة التضخم المعيبة وينتهى الأمر إلى تدهور مستوى المعيشة للغنى والفقير وندخل فى عجز كبير فى الميزان التجارى وميزان المدفوعات أخيرا تفاقم عجز الموازنة، ولا تحقق السياسة المالية المرجو منها كما نريد وتفقد النقود مع كثرتها قوتها الشرائية، وكما شاع القول بأن النقود سلعة كلما زاد عرضها قل ثمنها ويصبح الجنيه المصرى أمام الدولار "ورقة للبيع" بثمن بخس.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن علي
ازمه الدولار .. الاسباب ومقترح لحل اسعافي سريع
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد مهران
الى التعليق رقم 1
عدد الردود 0
بواسطة:
Ali
لا فوض فوكما تعليق 1 و2
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الدميري
د . ايمن بعد التحية