مخطئ من ينظر لضعف نسبة مشاركة المصريين فى المرحلة الأولى لانتخابات البرلمان على أنها رسالة احتجاج معنوية ضد النظام الحالى فى مصر، أو كما قال المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات: إنها رسالة من الشعب المصرى يجب النظر إليها بعين الاعتبار، وأن ما حدث يحتاج إلى دراسة، وتحليل.. نعم هى رسالة لكنها لمن؟ هذا السؤال.
الرسالة ليست موجهة فى الأساس للرئيس عبدالفتاح السيسى وأركان نظامه، بل إنها موجهة فى الأساس للأحزاب المصرية ولكل المرشحين الذين لم يستطيعوا إقناع الناخبين بجدواهم أو برؤيتهم، فضعف المشاركة كشف عن الضعف الذى تعانيه مصر سياسياً، وهذا ليس مشكلة يلام عليها السيسى، الذى حاول خلال الفترة الماضية حث المصريين على اختيار الأنسب لعضوية البرلمان، لكن كثيرا من المصريين لم يجدوا المرشح المناسب، فلم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع، فكانت رسالتهم الأساسية موجهة للمرشحين بأنكم لستم على قدر المسؤولية، تحديداً خلال الفترة الحالية التى تحتاج لشخصيات لديها القدرة على التشريع والمراقبة، وفقاً لما كفله الدستور لمجلس النواب.
الرئيس السيسى لم يكن له حزب تابع له خاض الانتخابات ولا قائمة تحمل اسمه، ولا يلام على أن هناك بعض الأشخاص الذين حاولوا استغلال اسمه فى الدعاية، لأن الرجل قالها صراحة إن همه الأول هو اختيار الأنسب، وأن ظهيره السياسى هو الشعب المصرى، وليس له مرشح بعينه أو قائمة محددة، وبالتالى فكيف نحمله تبعات أشخاص ليس له علاقة بهم.
كنا نستطيع أن نقول إن هذه رسالة للسيسى إذا خاض الانتخابات حزب الرئيس، لأننا فى هذه الحالة سنكون أمام حالة رفض لهذا الحزب وأشخاصه وسياساته، لكن الرئيس بلا حزب، فإلى من أراد المصريون توجيه رسالتهم، أرادوا توجيهها للأحزاب الدينية التى أغرقت الشارع السياسى فى صراعات وخناقات حول الهوية، وإلى الأحزاب المدنية التى لا تعرف شيئاً خارج الغرف المغلقة التى تستضيف قياداتها، فهى بعيدة تماماً عن الشارع ومطالبه، لا تعمل إلا لحصد المناصب فقط، وفى سبيل تحقيق هذا الهدف لا مانع لديها فى أن تقصم ظهر الأحزاب المدنية الأخرى، فى مشاهد دفعت الشارع للعزوف عن المشاركة، لأنه لا ينتظر من هؤلاء المتعاركين على الكراسى أن يكون لديهم رؤية لمصلحة الدولة العليا.
الرسالة الوحيدة للسيسى التى يمكن استنتاجها مما جرى فى المرحلة الأولى، هى أنه لا يجب أن يعتمد على السياسيين الموجودين على الساحة حاليا، وعليه البحث عن ظهير سياسى فعلى وقوى وله ارتباط وثيق بالشارع، لأن الموجودين حالياً مثلهم مثل الأحزاب التى كانت موجودة قبل 25 يناير، يرضون بما يتبقى من مقاعد يتركه الحزب الوطنى، وإذا لم يحصلوا على الكوتة، فإنهم يملأون الإعلام ضجيجاً عن التزوير والممارسات التى تحاك ضدهم، رغم أنهم فى الحقيقة لا يساوون ثمن المقاعد التى يجلسون عليها.