كانت المشاركة الانتخابية، بين التكهن والتحليل والتدارك، خلال الأيام الماضية، فقد تباينت آراء المحللين حول تفسير أسباب ضعف الإقبال والتصويت فى العملية الانتخابية، حيث أرجعها البعض، وهو ما أتفق مع الكثير منه، إلى عدم توعية الناس بالنظام الانتخابى، وحيرة الناس بسبب كثرة المترشحين، وحداثة معظمهم على المشهد الانتخابى، ليقع جحافل الناخبين فى شرك الخشية من انتخاب من قد ينتمى لصفوف ثانية لجماعة الإخوان، أو من الطابور الخامس لهم، أو من قد يأتى فيعطل تطلعاتهم، للنهوض على جميع النواحى، بالإضافة إلى أن البعض يركن إلى عدم أهمية البرلمان، فى ظل تجربة سيئة، عانوا منها فى عهد برلمان الإخوان، واطمئنانهم بشكل عام، فى ظل وجود الرئيس، وفى اعتقادى، بالإضافة إلى وجاهة هذه الأسباب، يضاف سبب رئيسى، هو ضعف الأحزاب السياسية، وعدم قدرتها على التواجد بالشوارع والأحياء والنجوع والكفور، وإصابتها بالضعف، الذى يرجع إلى سيطرة الشللية والانقسامات الداخلية على معظمها، مما جعلها بيئة طاردة للشباب، برغم كونها القنوات الطبيعية لممارسة العملية السياسية.
فعندما سجل آلاف الشباب، فى البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، فهذا لم يكن محض صدفة، وإنما إرادة حقيقية لدى كثيرين، لإيجاد قنوات يستطيعون من خلالها التعبير عن أنفسهم وتطلعاتهم، والمشاركة فى صناعة حاضرهم ومستقبلهم، إلا أن ضعف المشاركة الشبابية، فى الإقبال على التصويت، تقول إننا مازلنا أمام جيل يعانى، فأين يستطيع أن يجد نفسه، أفى أحزاب أصابها الضعف، أم فى حركات احتجاجية، لا تجيد العمل السياسى المحترف، كيف يستطيعون أن يبنوا أحزابا جديدة، بعيداً عن دكاكين الماضى، فى ظل توحش المال السياسى، وعجزهم المادى، أين يجدوا مساحة بناء، فى ظل صراعات سياسية دامية، بين ساسة المعاشات، لقد أخذ بالفعل بعض أبناء جيلى المبادرة، فى الترشح للانتخابات، ليجدوا أنفسهم، فى حرب دهماء فى مرمى نيران من يملك من المال، ما يغدق به ملايين الأمتار من الدعاية، ليصابوا بحالة من الإحباط واليأس بعد خسارتهم، رغم تقارب نتائجهم مع المنافسين، فى ظل تفاوت شرس، فى الدعاية الانتخابية، إلا أن عدداً منهم -شباباً وشابات- قد دخلوا إلى جولة الإعادة، ليسجلوا ملحمة إرادة حقيقية، فمن السهل أن تجلس متكأ لتعارض، وتصدر البيانات الإعلامية، لكن بالتأكيد الأصعب، هو أن تتحرك لتصنع شيئا مغايرا، فالتجارب لا تمنح وإنما تنتزع.
فالفارق كبير، بين عزوف الناخبين ومنهم الشباب، للأسباب السابقة، وبين المقاطعة، التى روج لانتصارها قوى الظلام، التى تجيد الاصطياد فى الماء العكر، والتى لم تشارك فى أى استحقاق منذ 30 يونيو، ويتبنون شعار المقاطعة دوماً، فهؤلاء ليس لديهم أى نوايا فى بناء مصر، فهم ساسة الولولة ومتطلعى الخراب، شراذم الفشل، فى صناعة بديل فراغ، أليس من مسؤولية الساسة ألا يحتار الناس، أو يصعب عليهم متاهة الاختيار، فهؤلاء لا يجيدون سوى الاحتجاج فقط، ليداروا على عجزهم، ويعلقوا شماعة فشلهم على الآخرين، ليثبتوا لأنفسهم أنهم الصواب فى الوضع الخطأ، ولكن الحقيقة أنهم الفشل فى الوضع الصعب، فهؤلاء المتربصون كانوا على عهدهم شامتين وخائضين فى ليالى السمر البلهاء، على مواقع التواصل الاجتماعى، فى صولات من الهيصة والبهجة والمتعة، ظناً فى انتصار العزة بالإثم، ونجاح دعواتهم، وهم قادة التأثير الوهمى. فليس بأمنيات وتطلعات الخراب يمكن أن تبنى الأمم، وليس بالشماتة الجاهلية يصنع أى نجاح، فالشماتة والفشل وجهان لعملة واحدة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة