أمس نقل نائب روسى يزور دمشق عن الرئيس السورى بشار الأسد استعداده لتنظيم انتخابات رئاسية فى سوريا والمشاركة فيها، مع وضع شرط لتحقيق هذا الأمر، وهو أن «تتحرر» سوريا من مقاتلى تنظيم داعش الإرهابى.
ما قاله الأسد يسير فى نفس الاتجاه الذى تسير فيه روسيا التى أكدت على لسان وزير خارجيتها قبل يومين أنه آن الأوان للتحضير لانتخابات فى سوريا، وأن السوريين وحدهم أصحاب قرار تحديد مصيرهم، وأن الانتخابات هى الآلية الوحيدة التى يمكن من خلالها عزل نظام الأسد.
نحن إذن أمام مناورة جديدة من نظام الأسد تحت غطاء روسى، وهذه المناورة سيتحقق لها النجاح فى نهاية المطاف، خاصة بعدما فشلت الدول المناوئة للأسد فى تحقيق أى اختراق على الأرض يمنح المعارضة القدرة على عزل الأسد أو الإطاحة بنظامه، بل إن تدخل هذه الدول ساعد على انتشار الجماعات الإرهابية فى الأراضى السورية، بداية من جبهة النصرة وانتهاءً بداعش، والغريب أن هذه التنظيمات الإرهابية نشأت بدعم من دول إقليمية أرادت أن تخلق معارضة قوية للأسد، لكن هذه المعارضة تمددت وأصبحت تهدد الجميع.
ستنجح مناورة الأسد الأخيرة كما نجحت روسيا من قبل فى وقف كل المخططات الأمريكية بتوجيه ضربة عسكرية ضد سوريا بداعى امتلاك دمشق أسلحة كيماوية، فتدخلت موسكو بمبادرة لم تستطع واشنطن حيالها إلا الموافقة عليها، لأنها قضت بتسليم سوريا كل ما تمتلكه من مخزون للأسلحة الكيماوية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية التى فازت بعدها بجائزة نوبل للسلام بعد تنفيذ المبادرة الروسية.
الأسد عملياً يحقق نجاحات سياسية على الأرض، بدعم عسكرى وسياسى روسى، ولديهم هامش مريح للمناورة، فى مقابل تخبط فى الجانب الآخر الذى ارتبك أمام التحركات الروسية، سواء المتعلقة بضرباتها العسكرية ضد داعش أو تحركاتها الدبلوماسية والسياسية التى تحاول إيجاد حل سياسى سريع للأزمة، يخرجها من حالة الركود التى شهدتها طيلة الأشهر الماضية.
الجانب الآخر مازال مرتبكا، وهو ما ظهر فى نهاية الاجتماع الرباعى الذى عقد الجمعة الماضى فى فيينا، بحضور وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وتركيا، فواشنطن يبدو أنها ارتضت بالأمر الواقع الذى فرضته روسيا، أما السعودية فمازالت تجاهد لعزل الأسد، أما تركيا فالأمر خرج من تحت سيطرتها، وأصبحت بلا مخالب سياسية فى الأزمة، بعدما فقدت السيطرة على التنظيمات الإرهابية التى نشأت فى حضنها.
الارتباك مازال موجوداً حتى بعدما شهدت الرياض، أمس الأول السبت، اتفاق السعودية والولايات المتحدة على زيادة الدعم للمعارضة السورية المعتدلة والسعى فى الوقت نفسه إلى تسوية سياسية، لأن الخلاف مازال قائماً حول ماهية المعارضة المعتدلة، ونوعية الدعم الذى يمكن تقديمه.