عودتنا الحكومات المصرية المتعاقبة على حفظ ماء وجه أى مسؤول تتم إقالته بأن تقدم الإقالة على أنها استقالة، حدث هذا بعد حادث قطار العياط الذى راح ضحيته ما يقرب من أربعمائة مصرى، وقتها توجه اللواء مصطفى عبد القادر، وزير التنمية المحلية، إلى مطار القاهرة بتعليمات من الرئيس الأسبق مبارك، ليستقبل وزير النقل الدكتور إبراهيم الدميرى العائد من زيارة كان يقوم بها لكندا، عبد القادر اصطحب الدميرى من على سلم الطائرة ليستقل معه سيارته لينصحه بأن يكتب استقالته، وأن الرئيس سيقبلها فورا، وبالفعل استجاب الدميرى ولم ينزل من سيارة عبد القادر إلا أمام منزله، وبنفس السيناريو تمت إقالة محمد منصور وزير النقل فى حكومة أحمد نظيف، رغم محاولات أصدقائه فى الحكومة وقتها تجميل الأمر، ثم كررها إبراهيم محلب مع وزير الزراعة صلاح هلال عقب فضح قضية الفساد بوزارته، وفى كل مرة تعتمد الحكومة على أن الشعب واعٍ واللبيب يفهم بالإشارة، ويعلم أنه لا يوجد فى مصر مسؤول يمتلك شجاعة الاستقالة.
إذن ما حدث مع محافظ الإسكندرية إقالة وليس استقالة، وغالبا هى إقالة بأوامر رئاسية كانت مؤشراتها واضحة منذ صباح يوم الأزمة عندما تجاهله الرئيس تماما، وكلف رئيس الوزراء بالسفر للإسكندرية ومتابعة الكارثة، وفى كل الأحوال أحسن الرئيس بهذه الإقالة الإجبارية التى راعت مشاعر الناس ومصابى الكارثة، وطمأن المواطنين بأن هناك من يحاسب المقصر، وأنه قد مضى وقت الصبر على الفاشلين ولا الصمت على المقصرين، خاصة أن المصريين لا يعرفون الآن غير الرئيس ويحملونه كل أوزار الحكومة ووزرائها ومحافظيها، وقد تابعنا جميعا الفترة الأخيرة الحملة التى اشتعلت لتحمل الرئيس مسؤولية غضب الناس من سوء الأحوال، ولم يشفع له عند هؤلاء ما يبذله من جهد خارجى وداخلى من أجل تحقيق طفرة فى البلد، وحملوه فشل الحكومة فى إرضاء المواطن، بالتأكيد الرئيس لديه شجاعة تحمل المسؤولية بكل توابعها، لكن ليس معنى هذا أن يتحمل حتى أخطاء الآخرين، فكل مسؤول يجب أن يتحمل مسؤوليته ويشيل شيلته.
وانطلاقاً من هذا المبدأ الرئاسى أعتقد أنه حان الوقت للحساب الجماعى، فما دام أقال الرئيس محافظ الإسكندرية لتسببه بإهماله فى الكارثة، فهناك كثيرون يستحقون نفس المصير والإقالة الرئاسية، سواء فى الحكومة أو المحافظات والذين يتسببون فى إحراجه شعبيا بأفعالهم وتصرفاتهم وتصريحاتهم ومشوراتهم الفاشلة، فإذا كان المسيرى عوقب لأن إهماله تسبب فى غرق محافظة، فهؤلاء المسؤولون قد يتسببون فى غرق مصر بالكامل، أو فى تعريض شعبية الرئيس للخطر، لأنهم لا يقدرون المسؤولية، بعضهم وزراء لم يعد المواطنون يطيقون رؤيتهم أو يتحملون الاستماع لتصريحاتهم، إما لأنهم يقولون ما لا يفعلون، أو لأنهم يعتمدون على الوعود البراقة والتصريحات الخادعة، بينما هم على الأرض فاشلون بالثلث، ووزاراتهم تتراجع والملفات التى يحملونها تشهد تدهورا ملحوظا.
يقينى أن الرئيس السيسى كان يستحق أن يكون حوله حكومة ومحافظون أفضل من هؤلاء، خاصة أن كثيرا منهم على ما يبدو لم يشعروا حتى الآن أن الدنيا تغيرت وظروف البلد لا تتحمل حالة الاسترخاء والإهمال واللامبالاة التى يعيشون فيها، وكأنهم ما زالوا فى حكومة عاطف عبيد أو على لطفى، فبعضهم ليسوا على قدر طموحاته، ولم يصلوا حتى الآن إلى فكره ولم يفهموا شخصيته، وهنا تأتى مسؤولية الرئيس شخصيا، فهو الذى عليه أن يعيد الفرز والانتقاء سريعا، ليبقى على من يصلح ويتخلص فورا ممن ثبت بالتجربة أنهم لا يستحقون الثقة التى منحها لهم، ولا الأمانة التى حملهم بها.