هى فتاة يناهز عمرها الثالثة عشر عاما. تتدثر فى عباءة سوداء رثة، تضيف إلى عمرها خمسين عاما أخرى. ملامح وجهها تنم عن طفولة بائسة، ومستقبل أكثر بؤسا، لا يفارق يدها جوالا بلاستيك ينافس عودها فى الطول، تتنقل به من رصيف إلى آخر فى محطة قطار العاصمة، تقوم بتجميع علب المياة الغازية الفارغة فى جوالها لتقتات من ثمن بيعه، تدعو الله أن يرزقها فى كل يوم بمئة زجاجة بلاستيكية فارغة، هى لا تريد أكثر من هذا، وربما لا تستطيع أن تحمل أكثر من هذا أيضا، تحملهُ مسرعة إلى التاجر الذى يقوم بعد تلك الزجاجات بعد أن يبعد الغير صالح منها ويدس فى يدها عشر جنيهات.
فتهرول إلى المطعم القريب من المحطة لشراء علبة الكشرى وثلاثة أرغفة، وبعض الحلوى وتعود إلى مخزن القطار، حيث تقطن فى إحدى عربات قطار قديم فى أقصى مكان فى المخزن.تأكل ثم تقوم بفرش الجوال وتنام فوقهُ، استعدادا لشقاء صباح يوما جديدا. فهى لا تعرف فى هذا الكون غير مكان العربة وحمل الجوال.هذا هو عالمها الخاص. تندفع كل صباح نحو الرصيف، تؤدى عملها حالمة بالعشر جنيهات ووجبة الكشرى فى المغربية. يحن بعض الركاب عليها أحيانا برشفة من زجاجة صودا بالبرتقال أو ببعض الفاكهة.تجنب نفسها قسوة نظرة ركاب القطار الفاخر، فهم يرمقونها بنظرة لا تفهمها ولكنها أيضآ لا تحبها. كما أنهم بخلاء يتلفتون بعيدآ عنها وكأنها"جربه"، مع أنها نظيفة وتستحم يوميآ بزجاجتين من المياة الساقعة صيفا وشتاء هكذا تحدث نفسها دائمآ.ركاب المميز غلابه بس مش بخلاء، بشوف فيهم ناس كتير مثلى: بيجروا على أكل عيشهم،اللى فى إيده شنطة واللى رافع على راسه قفه أو جوال يشبه جوالى .كثيرا ما حلمت بعروسة لعبه، وقررت اليوم أن تجتهد شوية فى عملها وأن تتوسع فى دائرة البحث عن رزقها،وتنزل إلى القضبان فكثيرا ما تجد بها "بضاعتها" ولكنها تخاف النزول إلى القضبان.واليوم تكسر خوفها وتحقق حلمها.وبين هبوط وصعود وبين قضبان رصيف رقم واحد وقضبان رصيف رقم أحد عشر، يثقل حملها فتضعه على الرصيف- لأول مرة- بعد تثبيت جانبيه بحجرين، ويمر الوقت أسرع من القطار "الإسبانى"، الذى قرر فى غفله أن يلتهم الفتاه وحلمها، وهى مستغرقة فى العمل، ويندفع ريحهُ ليلقى بالجوال وما حمل على القضبان، وفى مساء يوم الحادث تقوم ورش السكك الحديدية ببيع ما بالمخزن من عربات قديمة.
اطفال شوارع - أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
اسماء فاروق
الواقع المؤلم