كانت الفتاة خارجة من الكنيسة بالعجوزة وتعرضت لتحرش لفظى من أمين الشرطة المكلف بالحراسة. ومخبر آخر بجواره أهانها وأهان عقيدتها، الفتاة التقطت صورة للمتهم، وكتبت قصتها مع الصورة على «فيس بوك» تعاطف معها مئات أعادوا «نشر البوست»، اهتمت الصحف، وصل الأمر إلى الداخلية، تمت إحالة الأمين المتحرش للتحقيق. كان هذا نموذجا لكيف يصبح فيس بوك أداة رصد ورأى عام ومحاسبة. قبلها تم نشر حالات لرجال شرطة متجاوزين تمت محاسبتهم أو مخالفات وأيضا حالات اعتداء.
«فيس بوك» وأدوات التواصل تتحول إلى أدوات للرأى العام مفيدة وقوية، مثلما جرى بالإسكندرية التى تعرضت لأزمة من الأمطار والنوة، كانت كاميرات المواطنين أداة للناس والإعلام فى كشف التقصير والأخطاء والإهمال، وساهمت فى سرعة التحرك واستقالة المحافظ وهى خطوات كانت تستغرق أياما وربما أسابيع.
وللمفارقة فإن نفس الحدث- أمطار الإسكندرية- وبينما كان مئات المواطنين يمثلون الرأى العام فى نقل الصورة، ومحاولة عمل شىء مفيد، ترك بعض «فلاليط السوشيال» الأمر ووظفوا كل طاقاتهم وإبداعاتهم فى السخرية، وأثناء ممارسة هوايتهم «ومهنيتهم» عثروا على «فريسة» فى صورة لضابط فى الشارع بملابسه الرسمية، سخروا من هيئته، ووزنه الزائد و«كرشه»، ووظفوا «الفوتوشوب»، وبعد أن شبع نجوم «المسخرة» إهانة الرجل، انصرفوا للبحث عن «لايكات».
لكن للحق فإن نفس الفيس كان مكانا لتوضيح الحقيقة والدفاع عن الرجل ضد «عبث الصبيان»، خرج معارفه ومواطنون بالإسكندرية ليعلنوا أن المقدم مصطفى مختار، ضابط مرور الإسكندرية، نشيط ومعروف للمواطنين، تعرض لحادث ومشكلة خطيرة فى ظهره، رفض العمل فى المكتب وفضل البقاء فى الشارع. صمت الصبيان. ولم يلتفتوا إلى أن أسرة الضابط عاشت ليلة صعبة وهم يرون عائلهم يتعرض للإهانة لمجرد أنه يمارس عمله بإخلاصه، وأنه من السادسة صباحا فى الشارع يساعد قوات الجيش والشرطة والحى لرفع المياه رغم حالته الصحية إثر إصابته فى حادث أدى لمضاعفات خطيرة بالعمود الفقرى، حرمه من رياضته وأكسبه وزنا زائداً.
هناك سوابق للاغتيال المعنوى جرت مع مضيفة مصر للطيران التى سخر بعض «الصبيان» من هيئتها، واتضح أنها مريضة، لم يهتموا أو يتراجعوا، ومارسوا نفس الغريزة المدمرة، بحثا عن التصفيق.
والسخرية ليست عيبا طالما كانت تتعامل مع أوضاع أو إهمال ومراقبة المخالفين والمعتدين والمتجاوزين، انتقاد المهملين والفاسدين والفاشلين، والابتعاد عن النميمة والإهانات واختراق الخصوصية.. ولحسن الطالع أن حملات السخرية من الضابط كانت من «فيس بوك»، وحملات الدفاع عنه من «فيس بوك».. ففى أدوات التواصل- مثل أى مكان- ملائكة وشياطين وجهلاء ومستعرضون ومدعون، ونبلاء.