من حق مدير المخابرات الأمريكى CIA أن يغضب ويقلق ويصاب بكل أمراض الدنيا، بعدما نجح قراصنة فى اختراق بريده الإلكترونى الشخصى، فإذا كان شخص بهذه القيمة والأهمية ليس فى الولايات المتحدة وحدها، بل فى العالم كله أصبحت مراسلاته كلها أمام العوام، ولم يستطع تأمين بريده الإلكترونى، فما بالنا نحن.
جون برينان مدير الـCIA قال «شعرت بالطبع بالقلق لما يمكن للناس أن يفعلوه بتلك المعلومات»، ولم يكتف بالقلق بل إنه انتقد وسائل الإعلام لأنها «أفردت مساحة لما يعتبر نشاطا إجراميا»، فى إشارة لنشر موقع ويكيليكس المؤيد لحرية المعلومات وثائق من بريد برينان الشخصى على خدمة «أمريكان أون لاين» الأسبوع الماضى بعد أيام من إعلان قرصان معلوماتى شاب أنه تمكن من اختراق الحساب، حيث تضمنت الوثائق المنشورة حتى الآن قائمة الاتصالات وتوصيات بشأن أفغانستان وباكستان وعناوين أفراد عائلة برينان وأرقام هواتفهم.
رئيس الـCIA غاضب وهذا حقه، لكن أليس من حق الآخرين أن يغضبوا من انتهاك حرماتهم الشخصية، والتنصت على المراسلات والمكالمات الهاتفية.. رئيس الـCIA ذاق هذا الأسبوع من نفس الكأس الذى شرب منه قادة فرنسا وألمانيا والبرازيل الذين خضعوا لبرنامج تجسس أمريكى، لكن الفارق بين الاثنين أن حصيلة التنصت على الرؤساء لا تزال فى يد المخابرات الأمريكية ولم تخرج للعلن حتى هذه اللحظة، وربما أنها لن ترى النور إلا إذا تم تسريبها عبر موقع ويكليكس، أما البريد الإلكترونى لمدير الـCIA فأصبح متاحاً أمام الجميع، فى الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط، وكل من لديه قدرة على قراءة هذه الوثائق التى ربما تعطى تفسيراً لبعض الأحداث التى شهدها العالم قبل عدة أعوام، واحتار كثيرون فى تفسيرها.
ما حدث فى الولايات المتحدة درس قاس، وإشارة مهمة بأن لا أحد فوق الاختراق، وأن من يخالف القانون الإنسانى سيأتى عليه يوم ويشتكى من مخالفات يتعرض لها هذا القانون، فمدير الـCIA الذى صمت ولم يستطع تبرير عملية التجسس على قادة العالم، جاء عليه اليوم الذى يشتكى من اختراق بريده الإلكترونى ويصفه بالنشاط الإجرامى، بل أنه يعيب على وسائل الإعلام أنها نقلت هذه التسريبات.. أمس كان يغض الطرف عن الانتهاكات التى يقوم بها جهازه مع الآخرين، واليوم يطالب بمحاسبة من انتهك خصوصيته.. نوع آخر من المعايير المزدوجة التى تحتاج إلى إعادة تقييم من جانب الإدارة الأمريكية.