مشكلة مصر الأزلية أننا جميعاً نحاول حل مشاكلنا بطريقة خاطئة تستوى فى ذلك الدولة المصرية على مر العصور والدهور، أو الحركات الإسلامية أو الأحزاب السياسية أو حتى بعض الوزارات المعنية. فعندما شعرت الحكومة بحرج نتيجة تدنى الإقبال على التصويت فى الانتخابات البرلمانية سارعت بالتغريد خارج السرب، وحل المشكلة بطريقة خاطئة دون التعرف الحقيقى على أسباب المشكلة وحلها حلاً صحيحاً..وأسرعت بإعطاء إجازة نصف يوم للعاملين والموظفين بالحكومة للذهاب للتصويت، ظناً منها أن عدم الإقبال لضيق الوقت مع أن التصويت يمتد بعد العمل يومين متصلين لمدة 7 ساعات كاملة، فضيق الوقت لم يكن السبب الحقيقى للامتناع عن التصويت، ولكن السبب الحقيقى يكمن فيما أصاب المواطن المصرى من حالة إحباط، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها والتى تعكر صفو حياته وتنغص عليه عيشه، فهو يرسل رسالة احتجاج صامته مفادها: «أغيثونا اقتصادياً يرحمكم الله».. «خفضوا الأسعار يرحمكم الله».. «عالجوا البطالة يرحمكم الله». إذن إعطاء الموظفين إجازة نصف يوم لن تجعلهم يذهبون للانتخابات ما لم تحل مشاكلهم الاقتصادية، وما لم يقتنعوا أن البرلمان سيكون حلاً لهذه المشاكل، ونافعاً لهم لا نافعاً لأعضاء البرلمان الفائزين.
ويقاس على ذلك أيضاً ذلك الإعراض الكبير عن التصويت من المصريين بالخارج.. والعلة الأساسية فى ذلك أن قانون الانتخابات البرلمانية الأخير هضم حقهم فى التمثيل فى البرلمان وصنع العجب العجاب.. فإذا أراد مصرى يعيش فى فرنسا أن يرشح نفسه ليخدم المصريين فى الخارج فعليه أن يترشح فى دائرة فى مصر مثل «شبرا مثلاً»، ثم يفوز فيها ثم يذهب إلى فرنسا تاركاً الذين انتخبوه وأعطوه أصواتهم ليخدم المصريين فى فرنسا.. فأى عقل يقول بذلك. كان يمكن أن يكون عضوان برلمانيان عن كل قارة مثلاً، ويتم انتخابهما من المصريين فى هذه القارة، لا أن يترشحوا فى مصر ويعملوا فى الخارج. وعموماً يمكن استدراك هذا الأمر بتعيين أفضل اثنين من كل قارة فى البرلمان كممثلين عن المصريين فى الخارج.
ويقاس على ذلك القرار الذى اتخذه د. هانى المسيرى «محافظ الإسكندرية» السابق بتسيير وسائل النقل العام بمحافظة الإسكندرية مجاناً فى اليوم الثانى للتصويت فى المرحلة الأولى، والقرار يعنى أن الذين لم يذهبوا كان ينقصهم وجود جنيهين فقط للوصول إلى اللجنة فإذا وفرناهما للناخب ذهب إلى للإدلاء بصوته، وهذا وهم كبير. فالمشكلة الحقيقية أن كل مواطن سكندرى كان يجد المحافظ السابق يهدم الحدائق فى أفضل شارع فى الإسكندرية، وهو شارع الحرية «أو أبوقير كما يطلق عليه العوام»، ويعيد بناءها من جديد ونزع التماثيل القديمة، مع إعادة بناء تماثيل جديدة، وكل هذا تكرر من قبل، فكل محافظ يعيد بناء الحدائق يجعلها أسوأ من ذى قبل، فى الوقت الذى أهمل المحافظ كل المناطق الشعبية ولم يمد يده إليها بأية إصلاحات تذكر، وكل محافظ يأتى لا يهتم إلا بشارعين فقط هما «البحر والحرية»، وما سواهما فهو عبارة عن فوضى كاملة وحفر كبيرة، وترك ترام محرم بك فى حالة بائسة حتى أن كابل كهربائه لم يتحمل الثلوج وهى تسقط عليه فسقط فى المياه فصعق أرواحاً بريئة.
لقد ترك المحافظ المناطق الشعبية وبها أسلاك الكهرباء تمر بجوار الشبابيك، وتحدث ماساً كهربياً كل عام، كلما نزلت عليها الأمطار واهتم فقط بالتوافه والمظهر دون الجوهر، ولم يلتفت أن سبب الإعراض عن الانتخابات هو شعور المواطن بالإهمال، وأنه لا جديد فى حياته وأن الإدارة المحلية لا تفكر فيه على الإطلاق. وقد فضحت الأمطار التى هطلت على الإسكندرية لمدة نصف ساعة فقط الإدارة المحلية بالمحافظة التى لم تستعد بأى شىء لمثل هذا اليوم، رغم أن الأرصاد الجوية حذرت من هذه الأمطار قبلها بعدة أيام، لقد غرقت الإسكندرية تماماً من نصف ساعة مع أن دولاً كثيرة تهطل عليها الأمطار كل يوم لعدة شهور ولا تجد قطرة واحدة فى الشارع مثل أندونيسيا ومعظم دول شرق آسيا، نصف ساعة فقط أثبتت أن الإدارة المحلية بالإسكندرية كلها كانت تعبث وتلهو وتلعب ولم تهتم يوماً بالمواطن الفقير والبسيط ولعل هذه الأمطار الكثيفة وما نتج عنها من خسائر تكون بداية للإصلاح الحقيقى وحل المشاكل جذرياً دون الالتفاف عليها. ولو أن المحافظ اهتم بالإنسان السكندرى البسيط لذهب هذا المواطن عن قناعة وحب للإدلاء بصوته، إن علينا أن ننظر فى الأسباب الحقيقية لكل مشكلة ونعالج هذه الأسباب دون دوران حولها أو التفاف عليها أو بعداً عن الحل الحقيقى.. هدى الله الجميع لحل مشاكل الوطن والمواطنين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة