حين تتبادر إلى أذهان المِصريِّين ذكريات انتصارات أكتوبر، تتدفق معها صور لمشاهد بطولاتها الرائعة، صورةً تَلو الأخرى: ما بين بطل يحمل سلاحه، أو يقود عربته المصفحة، أو دبابة فى ميدان القتال تتقدم فى اشتباك مع العدو، وعلمٍ مِصرى يرفرف؛ حتى إنك تشعر معها بنسمات الحرية.
إن نصر السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣م ليس انتصارًا فحسْب، بل هو شاهد على قوة المِصرى وصلابته وعزيمته: سواء كان مقاتلًا يحمل السلاح، أو مسؤولًا يحمل على عاتقه صنع القرارات، أو عاملًا يُنتج فى مجاله، أو فلاحـًا يشق الأرض بفأسه لتأتى بخيرها، أو طالبـًا يجدّ فى دراسته لينفع بلاده بعلمه، أو.. إلخ. فصناعة الانتصارات لا تتوقف عند أبطال محاربين فقط، بل بجيش يلتحم بأمته وشعبه. وقد قدَّم المِصريُّون أروع النماذج شعبـًا وجيشـًا؛ فالمِصرى دائمـًا ما يحمل فى شخصه الذكاء الشديد، وفى أعماقه الشجاعة النادرة التى تصنع البُطولات والإنجازات.
ففى أكتوبر عمِل المِصريُّون بإرادة وصلابة وعزيمة ممتزجة بصبر حتى أثبتوا للعالم كفاءتهم فى تغيير الواقع. يذكر اللواء أركان حرب "على حفظى" محافظ "شمال سيناء" الأسبق، المسئول عن فِرق الاستطلاع التى كانت تعمل خلف خطوط الجيش الإسرائيلى وداخل عمق "سيناء" فى "حرب أكتوبر"، فى حديث له، أنه حين لم يكُن لدى "مِصر" الأجهزة التى تمكنها من الحصول على معلومات عن العدُّو، كان المِصرى يؤدى المُهمة بشجاعة وعزيمة فائقتين، حتى إن وزير الدفاع الإسرائيلى "موشيه ديّان" قال: "إن إسرائيل كانت تعلم جيدًا أن مِصر لم تكُن تملِك إمكانات الحصول على المعلومات، لٰكنها نجحت فى توظيف المقاتل المِصرى الذى أصبح رادارًا بشريـًّا يعمل ٢٤ ساعة، فى حين إن الأجهزة الإلكترونية لدينا تعمل عدة ساعات".
وماذا عن كل النماذج المشرفة لأبطال "مِصر" مثل ذٰلك الجندى الأسطورة "عبد الجواد مُحمد" الذى حارب و هو عاجز. اشترك "عبد الجواد" فى ما يقرب من ١٨ عملية عبور داخل خطوط القوات الإسرائيلية وخلفها فى "حرب الاستنزاف"، ليحطم: ١٦ دبابة، و١١ مدرعة، وبلدوزرين، وعربتين "چيب"، وحافلة؛ بمفرده!! كما شارك رفاقه فى تدمير ٦ طائرات إسرائيلية خلال هجومها على أحد المطارات.. أصيب "عبد الجواد" إصابة شديدة أدت إلى بتر ساقيه الاثنتين وساعده الأيمن، وفقْد عينه اليمنى، مع جُرح كبير غائر فى الظهر. رفض "عبد الجواد" التقاعد بعد تركيب أطراف صناعية له، وشارك فى معارك أكتوبر ١٩٧٣م، ليكرَّم بعد ذٰلك من رؤساء الجُمهورية.
إن قصة البطل "عبد الجواد" تستدعى إلى أذهاننا تلك القدرة العظيمة التى وضعها الله داخل الإنسان ليستخدمها لخير البشرية.. فمن بُطولات أكتوبر نَشحَذ هِمَمنا لكى نستكمل طريق البُطولات فى بناء "مِصر" ومستقبلها، واثقين بأننا قادرون بمشيئة الله على أن نحقق لها كل خير وكرامة وعزة. كل عام وجميعكم بخير فى ذكرى انتصارات الكرامة.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ماهر المصرى
كل عام ومصر كلها بخير