د. أنور ماجد عشقى

الدعم العربى للمجهود الحربى فى حرب أكتوبر

الثلاثاء، 06 أكتوبر 2015 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما قطع الملك فيصل النفط عن الغرب وأمريكا فى حرب أكتوبر 1973، جاء كسنجر وزير الخارجية الأمريكى والتقى فى جدة بالملك فيصل ليقنعه ويرجوه إعادة ضخ النفط إلى الولايات المتحدة، فكان لقاء الملك فيصل له فاتراً، أراد وزير الخارجية الأمريكى كسر الجمود فقال له مداعباً "يا جلالة الملك إن طائرتى تقف هامدة فى المطار بسبب نفاد الوقود فهل تأمرون جلالتكم بتموينها؟".

رد عليه الملك فيصل قائلاً "إن أمنيتى أن أصلى ركعتين فى المسجد الأقصى قبل أن أموت، فهل تساعدنى دولتك؟" ويقول الأمير سلطان بن عبد العزيز بأن كسنجر صدم من هذه الإجابة لكنه أراد أن يستدرج الملك فيصل إلى الحوار. أخذ كسنجر يصف للملك فيصل ما ألم بالشعب الأمريكى من ضيق لعدم وصول النفط واصطفاف السيارات أمام محطات البنزين، لكن إجابة الملك فيصل كانت مصحوبة بضربات هادئة على مسند المقعد الذى يتكئ عليه، وهو يقول "القدس، حقوق الفلسطين" ويكررها .

أراد كسنجر أن يغرى الملك بالدخول فى الحوار وأخذ يتكلم عن الصداقة التى تجمع البلدين، والعلاقات الأخوية بينهما فكان الملك يردد ما قاله، عندها قال كسنجر يا جلالة الملك إننا نعلم بأن إسرائيل معتدية، عندها أوقفه الملك فيصل قائلاً له من تمثل أنت؟ قال كسنجر أمثل الرئيس الأمريكى ثم سأله ومن يمثل الرئيس الأمريكى؟ قال الشعب الأمريكى، ثم قال له من أمثل أنا؟ قال تمثل الشعب السعودى، قال الملك فطالما نحن نمثل شعوبنا فعلينا أن نكون صادقين معهم.

دعنا نخرج الآن وأمام الصحفيين، وتقول ما قلته بأن إسرائيل كانت معتدية، فإذا قلتها فسوف يصل النفط إلى أمريكا خلال 48 ساعة. أسقط فى يد كسنجر وحزم أمتعته وغادر المملكة، ما أن وصل واشنطن حتى قال للرئيس الأمريكى بأنه لم يتمكن من اقناع الملك فيصل بذلك، فاتصل الرئيس الأمريكى وقدم الدعوة بالتسوية .

لقد كانت حرب أكتوبر تمثل انتصاراً مؤزراً للأمة العربية، واسترداداً لكرامتها التى سلبت بسبب العدوان الصهيونى وهزيمة للجيش الإسرائيلى الذى قيل يومها بأنه الجيش الذى لا يقهر، فكانت الحرب انتصاراً لكل العرب، شاركت فيه الدول العربية بالدعم المادى والعسكرى واللوجستى وقادها الزعيمان أنور السادات والملك فيصل بن عبد العزيز، وتلاها انتصار سياسى استرد سيناء كاملة ومهد لاستعادة حقوق الفلسطينيين كاملة التى سوف تتحقق فى الأيام القادمة.

كان لمصر القوة العسكرية والإرادة القتالية والقيادة الواعية المخلصة لكنها كانت فى حاجة إلى الدعم المالى والسياسى والمعنوى. جاء الرئيس السادات فى زيارة سرية إلى الرياض والتقى قبل الحرب مع الملك فيصل فى الصحراء فيما يعرف بالثمامة، وقدم له الملك فيصل حمولة طائرة من الدولارات شحنت معه وأخذها لتمويل الحرب، وقد حضر الملك فيصل سراً مع الرئيس السادات المناورة النهائية لعملية العبور .

لقد كان الملك فيصل جنباً إلى جنب مع شقيقه الرئيس أنور السادات، أما دول الخليج فلم تتوانى عن دعم المجود الحربى المصرى ولم تتأخر فالشيخ زايد بن سلطان أثر عنه، أن قال "إن النفط العربى ليس أغلى من الدم العربى، وإن كرامة العربى هى الأغلى من الدم العربى هو الأشرف. لقد اقترض ملياراً من البنك الدولى وأسند بها المجهود الحربى فى مصر وهذا ما نشر فى الأهرام الجمعة 3 أكتوبر 2015".

قرر مجلس وزراء الدول العربية المصدرة للنفط ( أوبك) فى 18 أكتوبر 1973 خفض الانتاج بنسبة 5% شهرياً وقطع الإمدادات عن الولايات المتحدة والدول الغربية التى تساند العدو الصهيونى، أما المملكة فقد خفضت 10% ثم 18% ثم أعلنت وقف التصدير للولايات المتحدة ويتبعها فى ذلك الإمارات والكويت والبحرين وقطر .

وقفت دول الخليج مع مصر، وأعلنت عن الدعم المالى والمعنوى لمصر وأن أى عدوان عليها من أى دولة هو عدوان على هذه الدول، وبالتنسيق مع دول المواجهة قدمت دول الإسناد الدعم المطلوب فبعثت المملكة العربية السعودية إلى سوريا والأردن بلواءين آليين معززين يساوى كل واحد منهما فرقة، فكان يفترض التخفيف عن الجبهة المصرية من الاختراق وتمكنت القوات السعودية من صد الاختراق الإسرائيلى على القوات السورية فى "تل مرعى".

كما أرسلت العراق جنوداً بدباباتهم إلى سوريا فى اليوم التاسع للحرب أما الجبهة السورية فلم تكن أقل ضراوة من الجبهة المصرية فكان الاشتباك معها فى البر والبحر قام يومها اللواء ناجى جميل فى سوريا بالتعاون مع مدير إدارة الدفاع الجوى العميد الركن على صالح يرسم خطة قتال جوية، تتضمن الضربة الجوية الأولى التى تم تنفيذها مع بداية الحرب، بالإضافة إلى خطة التعاون بين الطيران والصواريخ والمدفعية للدفاع عن العمق وتغطية القوات المقاتلة.

بالإضافة إلى خطة تقديم الدعم التكتيكى للقوات البرية وخطط إنزال جوى وخطة الاستطلاع والتصوير الجوى بما فى ذلك المهام الطارئة كمكافحة الإنزال الجوى والبحرى مع النقل وإنقاذ الركب الطائر وإخلاء الجرحى.

لقد شاركت معظم الدول العربية بأشكال متفاوته ومن أبرزها ليبيا التى كانت تمثل بمساحتها الشاسعة وإمكاناتها المادية والجغرافية عمقاً استراتيجياً لمصر، فساهمت ليبيا فى المجهود الحربى .

لقد تمثل الدعم الليبى لملحمة العبور من القوات البرية والدفاع الجوى وصواريخ استريلا كما شارك سلاح الجو كذلك السلاح البرى بالإضافة إلى سلاح الإشارة .
إن أحداً لا يمكن أن ينكر المجهود العظيم الذى قامت به الدول العربية فى دعم حرب أكتوبر 1973 لقد كانت الحرب عبارة عن ملحمة عربية تؤكد أصالة الأمة وشعورها القومي. ففى هذه الحرب راهن العرب على انتمائهم ومصيرهم كما ضحوا بعلاقاتهم الاستراتيجية مع كل الدول التى ساندت إسرائيل. فمنهم من شارك بالنفس والمال على مختلف الجهات ومنهم من قطع النفط عن الغرب وشكل بذلك ضغطاً على إسرائيل فنسجت تلك الحرب ملحمةً اختلطت فيها الدماء العربية وتألقت وتلاقت المشاعر والأحاسيس وانتهت بانتصار لكل العرب.

فإذا كان من يقول أين السادات وفيصل اليوم فإن الأحداث تجيب بأننا نعيش اليوم قيادة السيسى وسلمان. لقد اتفقا على الهدف الاستراتيجى للأمة الممثل فى الأمن القومى العربى.

وها نحن نراه ممثلاً فى مواجهة المد الإيرانى الذى أخذ يعبث بمقدرات الأمة وبدأ العرب فى التصدى لهذه الممارسات بدءاً من عاصفة الحزم التى نجد فيها الدعم من دول التحالف العشر وسوف ننتصر بإذن الله على أنفسنا أولاً وعلى أعداء الأمة ثانيا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة