تعذبت بالصمت على جرائم ارتكبتها الثعالب حين ظهرت فى ثياب الواعظين.. والمعنى أستعيره من «أمير الشعراء» أحمد شوقى.. فالذين حاربوا معركة التوريث ضد «جمال مبارك» معروف عنهم أنهم لم يمارسوا عملا من دون توريث أقاربهم لكل مواقع المسؤولية.. والذين قدموا أنفسهم للمجتمع على أنهم مقاتلون ضد الفساد مارسوا أبشع أنواع الابتزاز وحصلوا على «الرشاوى» تحت لافتة «الطهارة الثورية»!! وكذلك أولئك الذين اعتقدنا فى صوفيتهم ونزاهتهم، فإذا بهم يحاولون تعويض ما فاتهم بجنى الأرباح على طريقة من يلعبون على الأسهم فى البورصة!!
يؤسفنى القول بأن الذين يروجون لحكاية أن الفساد لا يجد من يتصدى له.. هم أعمدة فساد يخشون أن ينكشف أمرهم .. مع رفضى الاتهام باليأس والإحباط.. فمصر تشهد خلال الشهور الماضية أقوى الحملات وأعنفها ضد الفساد.. هذا ليس كلامًا مرسلاً.. فقد حولت وزارة الداخلية أكثر من خمسين فاسدًا من بين أبنائها للمحاكمة، كما قدمت مئات الشهداء دفاعًا عن أمن الوطن.. وكذلك حدث مع القضاه الذين عزلوا العشرات من بين صفوفهم، لكن الإعلام يترك تلك الإيجابيات ويأخذنا لمساحات الإحباط.. ربما لأننا نملك ماكينات إنتاج اليأس الحديثة، متمثلة فى صحف وفضائيات عديدة.. كما نملك مهارة فى زراعة الحزن والترهل، بقدر ما نراه من ممارسات للذين يقال عنهم إنهم ساسة.. والمؤسف أن مصر لم تحاسب طبيبا ارتكب جرما فى حق مريض.. لم نضبط تحقيقا مع صحفى فاسد، وعددهم يتجاوز العشرات، ويجوز القول المئات.. لم نسمع عن مواجهة مع واحد من آلاف المهندسين الذين أجازوا بناء آلاف المبانى التى تهدد حياة المواطنين وتقتلهم يوما بعد الآخر.
كلنا مشغولون بالحديث عن الفساد كما لو كان الغول والعنقاء والخل الوفى.. نبدو كما لو كنا ضده، بينما نحن نكرس الإيمان به والتسليم به وتأكيد العجز عن اجتثاثه.. هكذا يمارس الإعلام المصرى لعبة البطل مع أن الحقيقة هى إعلان الاستسلام!! وسامحونى على الاتهام، فهو الحقيقة التى جعلت الناس تهجر الصحافة وتقاطع الفضائيات ولا تسمع من الإذاعة غير الأغانى القديمة والشعبية.. وبداية الإصلاح أن نذهب إلى كلمة سواء بأن نعترف بأننا «السادة المفلسون» بكل ما يصدر عنا من صراخ وعويل وولولة!!