بين الحين والآخر تنشر الصحف والمواقع الإسرائيلية أخباراً عن مفاوضات جادة بين الجانبين الإسرائيلى والمصرى لتوريد الغاز الطبيعى لمصر، وآخر هذه الأخبار ما نشره موقع «والا» ذو الطابع الاستخباراتى، من أن المفاوضات بين مسؤولى «نوبل إنرجى» الشركة المسؤولة عن تسويق الغاز الإسرائيلى والجانب المصرى قد قطعت أشواطاً متقدمة، وأن النقاط الأساسية تم الاتفاق عليها بالفعل من الجانبين.
وكالعادة، لم يصدر نفى رسمى مصرى لتلك الأخبار الإسرائيلية، بما فيها خبر موقع «والا»، وإنما صدرت تصريحات تحدد الإطار الذى يمكن بمقتضاه أن تستورد مصر الغاز من إسرائيل بعد أن كانت تصدره إليها لسنوات بأسعار بخسة للغاية، لأسباب قيل إنها تتعلق بالمصالح المصرية والأمن القومى.
الإطار الذى حددته المصادر المصرية لاستيراد الغاز من إسرائيل يمكن أن يفهم منه أن الخبر الذى نشره موقع «والا» ذو الطابع الاستخباراتى صحيح إلى حد كبير، فهذا الإطار بحسب المصدر يرتكز على ثلاثة أسس، موافقة الحكومة المصرية، وتحقيق الغاز المستورد، الأمن القومى للبلاد وتحقيق قيمة مضافة، وهى ثلاثة تبريرات عامة انطبقت على صفقات تصدير الغاز للدولة العبرية، كما يمكن أن يسوقها أى مسؤول تبريراً لصفقات استيراد الغاز الإسرائيلى، والسؤال هنا: هل نحن فى حاجة إلى استيراد الغاز الإسرائيلى حقاً بعد الاكتشافات الغازية الكبيرة فى البحر المتوسط؟ وهل نحن مضطرون لاستيراد الغاز الإسرائيلى ضمن صفقة سياسية أمنية ما؟
وإذا كنا فى حاجة لاستيراد الغاز الإسرائيلى لأسباب تخص الأمن القومى أو لأسباب اقتصادية بحتة، مثل وقف قضايا التحكيم الدولى بالمليارات التى رفعتها إسرائيل ضدنا، أو لأى أسباب أخرى، لماذا تأتى مبادرة الإعلان عن ذلك من إسرائيل وليس من القاهرة؟ ولماذا يضطر مسؤولونا إلى اللف والدوران، وكأنهم لا يجدون «صياغات ذكية» مقنعة للشعب بأنهم سيلجأون إلى خيار استيراد الغاز الإسرائيلى إلى حين حتى ترتيب أوضاعنا الاقتصادية والسياسية والأمنية؟!
المشكلة فى ظنى ليست فى استيراد الغاز الإسرائيلى ضمن أساليب المناورة السياسية المصرية لسد الجبهات المفتوحة، أو مواجهة الخسائر المحتملة مبكراً، ولكنها فى عدم قدرة المسؤول المصرى على إشراك الشعب فى اتخاذ القرار، وإعلانه بما هو مقبل عليه بدلاً من أن يستغل الصائدون فى الماء العكر الموقف، وتوظيفه بما يضر الأمن والسياسة والاقتصاد معاً!