تحدثنا فى المقالة السابقة عن القسوة التى يتعرض لها الإنسان من الآخرين، وأنها أمر مرفوض إذ يؤثر سلبــًا فى الإنسان من جميع جوانب حياته. وعرضنا لبعض أسباب القسوة ، ثم عرضنا لقسوة الكلمات. أما اليوم، فنتحدث عن المشاعر القاسية .
كما أن للكلمات القاسية تأثيرًا كبيرًا فى الإنسان، فإن تأثير المشاعر القاسية تولد آلامـًا شديدة فى النفس البشرية. قد يكون سبب قساوة المشاعر هو فكرة خاطئة، أو معلومات غير دقيقة تُِجاه شخص أو موضوع معين، تجعل الإنسان يتشدد فى أحكامه ومواقفه ويعامِل الناس بمشاعر قاسية. وما إن تتعدل هٰذه الفكرة حتى تتغير قسوة هٰذا الإنسان.
هناك أيضـًا الوالدان اللذان يعاملان بقسوة أبناءهما، فلا يقدمان إليهم مشاعر المحبة والحنان، فينعكس هٰذا سلبـًا على شخصياتهم؛ وغالبـًا ما ينقادون، بتأثير احتياجهم إلى المحبة والحنان، إلى البحث عن مصادر أخرى للعطف والشفقة فيتوهون فى دُروب الحياة. وهناك مشاعر تنبُع من القلب القاسى البعيد عن الرحمة، وغالبـًا ما تكون هٰذه القلوب القاسية هى نتاج البعد عن الله، والحياة فى الخطيئة والشر، فتتقسى وتجف وتعامل الآخرين بمشاعر جافية تسبب لهم كثيرًا من الآلام. يقول الكتاب: "الصِّدِّيق يراعى نفس بهيمته، أما مراحم الأشرار فقاسية"؛ فإن الإنسان البار الصالح يهتم بمراعاة مشاعر النفوس التى يعاملها، لا البشر فقط، بل أيضـًا يرفُق بالحيوانات. أما الإنسان الشرير فمراحمه قسوة!!
تُعد المشاعر الطيبة التى تمتلئ بالمحبة والحنان والعطف من أهم حاجات الإنسان النفسية فى حياته؛ فكما نعرف: إن نفس الإنسان تتضمن العقل والمشاعر والإرادة، وحين يفتقد الإنسان المشاعر الطيبة، فإن هٰذا يؤدى به إلى انحراف نمو شخصيته عن الطريق الصحيح. ومن مظاهر تلك القسوة: التجاهل، والإهمال، والظلم.
ومن يتعرض للمشاعر القاسية، يشعر بآلام شديدة تجتاح نفسه. تقول كلمات أحد الذين جُرحت مشاعرهم من تلك القسوة: "جرح المشاعر هو قسوة زمن، وحياة مملة، وثقة معدومة بمن حولنا. لا أستطيع تخيل هٰذه الحياة، إنها قاسية جدًّا!! تبدو كأنها فيلم سينمائى لا نهاية له!"؛ وهٰكذا يفقد الإنسان ثقته بنفسه وبالآخرين. وهناك أيضـًا من يفقد رغبته فى الاستمرار فى الحياة !
ولمن يتعرض لمثل هٰذه المشاعر: أذكره بأن رحمة الله هى فى كل حين، ولكل إنسان، وهى جديدة كل صباح. املأ حياتك بخيرات الله. ثق أن هناك قلوبـًا تمتلئ بالرحمة والمشاعر الطيبة والخير. ارتفع فوق مستوى آلامك، وقدِّمْ أنت اهتمامـًا وعطفـًا إلى الجميع، تجدْ سعادتك الحقيقية فى العطاء. يقولون: "ستسعد! فقط، عندما تتعلم العطاء بلا مقابل.". وهٰكذا تمتلئ الأرض خيرًا وتتحول إلى سماء! يقول مثلث الرحمات "البابا الأنبا شنوده الثالث": "ازرع الحب فى الأرض، تصبح الأرض سماءً. انزِع الحب من الأرض، تصبح الأرض قبرًا!!". تخطَّ آلامك، وامدُد يدك إلى الجميع بالخير.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى .
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
.
.