الفشل فى مواجهة الأمطار الغزيرة فى الإسكندرية والبحيرة، وانفجار مشكلة ارتفاع الأسعار، وصولًا لكارثة الطائرة الروسية.. كلها دلائل قوية على أننا فى مصر ليست لدينا إدارة فعالة للأزمات والكوارث، على الرغم من أن لدينا عدة جهات مكلفة بإدارة الأزمات.
والحقيقية أن الأجهزة الحكومية المنوط بها إدارة الأزمات مظلومة، لأن المهمة أكبر من إمكانياتها، كما أنها لا يمكن أن تنجح فى ظل ترهل أداء أجهزة الدولة، وتفشى ثقافة الإهمال والتسيب فى المحافظات والإدارات المحلية، لأن كل الخطط الجيدة وبرامج التدريب المناسبة التى تضعها أجهزة إدارة الأزمات لن تطبق، ولا توجد الموارد المادية والبشرية اللازمة لتحويل الكلام المكتوب فى الخطط إلى إجراءات عملية فى أرض الواقع، خاصة عندما تنفجر الأزمة أو الكارثة.
إدارة الأزمات فى مصر لابد أن تبدأ بإحداث ثورة إدارية فى كل مؤسسات الدولة وأجهزة الحكومة، بالتصدى لثقافة الفهلوة «والتواكل»، ورفض الحديث أو التخطيط للأزمات، ولابد من إشراك المجتمع المدنى فى إدارة الأزمات، علاوة على تطوير المحليات، وسرعة إجراء انتخابات للمجالس المحلية حتى تقوم بدورها الرقابى المنشود.
ولا يمكن للأجهزة الحكومية المكلفة بإدارة الأزمات أن تنجح مادامت لا توجد رؤية تنظم عملها، ومركز واحد أو خلية لإدارة الأزمة تضم كل العقول والجهود، لدينا فى مصر عدة جهات حكومية، هناك اللجنة القومية لإدارة الأزمات، التابعة لمركز المعلومات ودعم القرار بمجلس الوزراء، ولجنة وزارية عليا لإدارة الأزمات، ولدينا أيضًا القوات المسلحة، ومع ذلك صدر قرار رئيس مجلس الوزراء مؤخرًا بتشكيل لجنة للطوارئ والأزمات، علمًا بأنه كانت لدينا لجنة وزارية عليا لإدارة الأزمات، ثم أعلن عن الاتجاه لإنشاء مركز قومى لإدارة الأزمات فى يناير 2018 !
أخشى أن يحدث تضارب بين كل هذه الهيئات واللجان، وأن ترتبك عملية إدارة الأزمات نتيجة هذا التضارب، لذلك أتمنى أن تتوحد كل هذه الجهات واللجان فى لجنة قومية شاملة أو حتى وزارة لإدارة الأزمات، تقوم بتجميع كل الخبرات والموارد، والتنسيق بينها لإدارة جميع الأزمات والكوارث الداخلية والخارجية، السياسية والاقتصادية والأمنية.
إنشاء وزارة لإدارة الأزمات فكرة معمول بها فى روسيا وإندونيسيا وعدد من دول العالم، ما يمكّن من التعامل الفعال مع كل الأزمات، سواء وقعت فى داخل البلاد أو خارجها، لأنه من المستحيل عمليًا الفصل بين نتائج وتداعيات أزمة داخلية وأخرى خارجية، كما أن آثار أى أزمة إرهابية تمتد إلى السياسة والأمن والاقتصاد، مثل كارثة الطائرة الروسية الأخيرة التى نتعامل معها بنفس الطرق القديمة.. نتحدث إلى أنفسنا.. لا نخاطب العالم الخارجى باللغة التى يفهمها.. ونتخيل أن ذهاب المصريين ووسائل الإعلام ونجوم الفن والرياضة سيصلح أوضاع السياحة فى شرم الشيخ.
القصد، لا داعى لأن ندير الأزمات بالقطعة، أو من خلال جزر منفصلة، والأهم أن نتعلم دائمًا من أزماتنا، ولا نكرر الأخطاء التى قد نقع فيها، وأن نحاسب المقصر أو المسؤول عن الأزمة أو الكارثة، لأن ضعف أو غياب المحاسبة يولد مزيدًا من التسيب، ومزيدًا من الكوارث، كذلك من المهم أن يستمر اهتمامنا بإدارة الأزمات، ولا ينتهى بمجرد زوال المخاطر والتهديدات التى تفجرها الأزمة أو الكارثة.
رسالتى باختصار، لابد من رفع كفاءة وفاعلية قدرات الدولة والمجتمع المدنى فى إدارة الأزمات، وتفعيل آليات الرقابة المجتمعية والمحاسبة، وإدراك أن الأزمات والكوارث تهدد الاستقرار السياسى، وتربك خطط التنمية، لأن العبء الأكبر يقع على كاهل الفقراء، ولتتذكروا معى من تحمل أضرار زلزال 1992، ومن غرق فى عبارة السلام، ومن كان الخاسر الأكبر فى أمطار الإسكندرية والبحيرة وضرب السياحة وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية.