لا شىء متوقع بشكل مؤكد أكثر من العمليات الإرهابية، وليس فى الأمر تنجيم إنما هى المقدمات التى تظهر وتنساها أجهزة تطمئن وتنسى أن الإرهاب ليس أفرادا وإنما منظمات ذات تمويل وتدريب عالٍ جدًّا وترتبط بعلاقات وشبكات معقدة خاصة تنظيم داعش مثلما كان تنظيم القاعدة. لكن «داعش» أكثر تعقيدًا وتشعبًا ويحظى بتمويل كبير، ولهذا فإن المذبحة التى وقعت فى باريس، تمثل إحدى كبرى العمليات الإرهابية فى تاريخ فرنسا وأكثر العمليات عنفًا ودموية بعد 11 سبتمبر.
سبقت عملية الاستاد والمسرح هجمات شارلى إيبدو واحتجاز رهائن فى متجر ليهودى، ومهاجمة مصنع وقتل مديره من قبل داعشى كان يعمل فيه، كل هذه مقدمات كانت تشير إلى وجود تنظيم يمكنه تجنيد وتنظيم وتدريب كثيرين.
محللون وصحف وبيانات فرنسية تشير إلى أن نصف المقاتلين الدواعش فى سوريا فرنسيون، لدرجة أن الآلة الفرنسية هى الأكثر تداولا فى الرقة، أحد معاقل «داعش»، والمفاجأة التى كشفتها تقارير إخبارية أن الإرهابيين الفرنسيين ليسوا من أصول عربية مجنسة، بل إن نسبة كبيرة منهم فرنسيون أساسًا، وليست فرنسا وحدها التى تمثل مصدرًا لتوريد الإرهابيين، بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، ناهيك عن دول الاتحاد السوفيتى السابق، كذلك، وفى السويد تحدثت تقارير عن وجود 300 سويدى غادروا وانضموا لـ«داعش».
كل هذه المعطيات مطروحة للنقاش، لكن لا أحد أخذها بجدية، فالشباب الذى يذهب للقتل فى سوريا والعراق يعود إلى موطنه ليقتل، ثم إن الإرهاب أصبح وظيفة وأحيانا تحقيقًا للذات لدى قطاعات من شباب أوروبا، ممن لا يمكن تطبيق النظريات السابقة حول علاقة تحولهم إلى إرهابيين بالقمع أو الفقر مثلما كان التفسير للإرهاب فى الثمانينيات والتسعينيات وقبلها، والمفارقة أن بعض المحللين فى أوروبا يبحثون عن تفسيرات اقتصادية أو اجتماعية للإرهابيين الأوروبيين، بينما أمامهم تجارب أخرى تشير إلى عناصر مختلفة فى إنتاج الإرهابيين.
فى فرنسا وأوروبا هناك تحليلات تشير إلى اللاجئين، واحتمالات أن يدخل معهم إرهابيون، أو إلى المهاجرين من المغرب أو يعيشون فى الضواحى الفقيرة نوعًا، لكن من يتابعون يعرفون أن بعض الإرهابيين من أسر ثرية أو متوسطة وأنهم متعلمون جيدًا، ويربط بعض المحللين بين الإرهاب وما يجرى فى الشرق الأوسط، يشيرون إلى ليبيا التى تم تدمير أجهزتها وتحويلها تحت سمع أوروبا إلى مركز جذب وتدريب للميليشيات من كل الأنواع والأشكال، ومصدر جذب للتكفيريين من أنواع مختلفة تكفر بعضها بعضا، وهناك تحليلات فرنسية ترى أن الغرب منافق تجاه الإرهاب فى الشرق الأوسط وأفريقيا، وأن ردود الأفعال تجاه التفجير الانتحارى الإرهابى فى لبنان لم تكن على مستوى فظاعة العمل الإرهابى، والبعض أشار إلى أنه مادامت عمليات تفكيك الدول تتواصل فإن الإرهاب أقرب نتيجة، لا طبعا هناك محللون يرون أن هناك دولا وأموال وأجهزة وراء داعش وأخواته من التنظيمات الإرهابية، وبالتالى فإن تكرار العمليات الإرهابية وارد ومتوقع من داخل هذه الدول نفسها.