لم تمضِ ساعات قليلة على اعتماد دار الإفتاء المصرية كمرجعية للفتوى للاتحاد الأوروبى إلا ودوَّت أصوات تفجيرات فرنسا، ثم تبعتها تفجيرات فى مناطق مختلفة، أعقبها تظاهرات غاضبة لم تخلُ من عنف وحرق لبعض المساجد، عنف يقابله عنف ودمار يلحقه دمار، وموجة من العنف بُنيت من الأساس على أفكار سقيمة ومفاهيم مغلوطة حولها المتطرفون إلى قنابل تحصد أرواح الأبرياء.
ولم يغب عن دار الإفتاء- وهى فى طريقها لعرض تجربتها أمام الاتحاد الأوروبى- تلك الصورة، بل كانت سباقة من خلال مرصدها التكفيرى فى دق ناقوس الخطر حيال تلك الظاهرة، التى لم تمنعها الحدود الجغرافية ولا الاعتبارات السياسية من التمدد والتجذر، حينما أعلنت أن الغرب أتاح الفرصة لجماعات أصولية تحمل أفكارًا متطرفة من الوجود على أرضه ونشر أفكارها والتأثير على أبنائه، بل دعمتها كما حدث فى مسجد ميونخ فى السابق والذى أفرز شخصيات قادت أحداث الحادى عشر من سبتمبر التى أقضت مضاجع العالم إلى الآن، ولعل ما نخشاه أن تعيد أحداث فرنسا سيناريو الحادى عشر من سبتمبر من جديد.
دعونا نكون أكثر صدقًا مع أنفسنا حينما نؤكد على أن الغرب يفتقد إلى وجود مرجعيات دينية معتبرة تحمل فكرًا صحيحًا يواجه فكر القاعدة وداعش، والشاهد على ذلك أن الإحصاء الذى قدمته دار الإفتاء من أن 60% من الفتاوى التى تأتيها من الخارج تكون من أوروبا، وهذا دليل على تعطش تلك البلاد إلى العلم النافع، لهذا مثَّل وجود دار الإفتاء كمرجعية دينية للاتحاد الأوروبى خطوةً على طريق الحل، وخطوة كاشفة لمكامن الداء.
إذا كان الغرب يزعم أنه يستطيع أن يحقق الأمن على كافة مستوياته، فإن التجربة والحقيقة تؤكدان عجزه عن تحقيق الأمن الفكرى، وذلك لافتقاده الأدوات التى تؤهله لتحقيقه والمنهج الشرعى والفقهى القادر على تفكيك مقولات وفتاوى المتطرفين والرد على تساؤلات الباحثين عن التغيير، وتكمن خطورة غياب الأمن الفكرى فى أنه مؤسس لغياب الأمن بوجه عام، والذى يهدد أمن وسلامة الأوطان.
إذًا القضية بالأساس فكرية معنية بتحقيق الأمن الفكرى، والقادر على تحقيق هذا الأمن مؤسسات راسخة نجحت إلى حد ما فى الحد من هذا الداء فى أوطانها وتسعى للقضاء عليه بصورة شاملة، لذا فإن اعتماد دار الإفتاء كمرجعية للبرلمان الأوروبى يمثل بروتوكول تعاون بين الجهتين فى جميع القضايا الفكرية المتعلقة بالمسلمين من قضايا الإرهاب والتطرف والأقليات وكل ما يدور حول تحسين صورة الإسلام فى الغرب.
تعاون دار الإفتاء مع الاتحاد الأوروبى فى هذا الأمر سيحدث تغييرًا نوعيًّا ليس فى الساحة الغربية فحسب بل فى العالم أجمع، إذ إن الغرب أصبح الآن يمثل موردًا بشريًّا لداعش والتنظيمات المتطرفة، لأن الشباب هناك يفتقد إلى المرجعية الدينية الصحيحة، التى تبين له صحيح الإسلام، وبالتالى فهم عرضة للانضمام إلى جماعات العنف، والمؤشرات كلها تشير إلى انضمام نحو ستة آلاف أوروبى لداعش أغلبهم من الشباب الباحثين عن التغيير فى حياتهم.
إن هذه التنظيمات المتطرفة خطر كبير على الداخل والخارج ، لذا فدار الإفتاء معنية بهذا الأمر من عامين تقريبًا بالداخل، وهذا يأتى موازيًا لدورها العالمى كمؤسسة دينية لعلاجه بالخارج، وبناء عليه تحاول المؤسسة إحداث نوع من التلاقى مع الحكومات الغربية لمواجهة الفكر المتشدد وتجفيف هذا المنبع من الموارد البشرية له.
هذا التعاون يهدف إلى نشر مبدأ الوسطية المصرية فى الغرب لتصحيح الصورة الخاطئة عن الإسلام، وهى الحملة التى يقودها الأستاذ الدكتور شوقى علام مفتى الديار المصرية بنفسه، كأحد وظائف دار الإفتاء فى التصدى للقضايا الفكرية والمعتقدات المتطرفة، وليس من المهم معرفة صاحب المبادرة لهذا التعاون، وما إذا كان البرلمان الأوروبى أم الدار فالمهم أنه تم الاتفاق على هذا التعاون، فاعتماد مؤسسة عربية كمرجعية للفتوى للبرلمان الأوروبى هو نجاح لدار الإفتاء فى توصيل رسالتها، كما أن لجوء الغرب لمؤسسات فى العالم العربى عند شعوره أن التنظيمات المتطرفة تشكل خطرًا كبيرًا يهدد العالم هو أيضّا نجاح بحد ذاته وإيمان بالرسالة الوسطية التى تسعى دار الإفتاء لنشرها، فالعبرة فى النهاية بالنتيجة التى يحققها هذا التعاون.
الثابت فى منهج دار الإفتاء أنها ضد أى فكر متطرف فى العموم، وتفتح قنوات اتصال مع كل الجهات لمحاربته وعلاجه، فقضيتها فكرية بالأساس، معنية بالحوار مع الجميع يهدف إلى القضاء على الفكر المتطرف، أيًّا كان صاحبه، والذى يهدد مصر والعالم كله، وتصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام.
وما حدث مؤخرًا يؤكد ما دعت إليه الدار فى السابق ويثمن جهودها فى الداخل والخارج، ففى الوقت الذى كان يغرد فيه الجميع بأن القضاء على الإرهاب يكون من خلال الطائرات والدبابات، أكدت الدار بأن القضية فكرية وعلاجها يكمن فى تصحيح المفاهيم، ولم تقف عند الدعوة فحسب، بل أنشأت مرصدًا للفتاوى الشاذة والتكفيرية لرصد الظاهرة وتقديم العلاج، وقدمته بأكثر من لغة، وأنشأت مواقع موازية لمواقع داعش والقاعدة لبث الأفكار المستنيرة فى مقابل الأفكار الظلامية، كل هذه الخطوات الاستباقية أهلتها لأن تكون الملاذ الآمن للاتحاد الأوروبى وغيره من الباحثين على قشة يتعلقون بها للنجاة من نيران الإرهاب.
• مستشار مفتى الجمهورية .
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الفار
الحصاد المر
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الفار
الحصاد المر
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد الفار
الحصاد المر
عدد الردود 0
بواسطة:
صلاح
الدكتور ابراهيم نجم يعمل على تصحيح صورة الاسلام فى الداخل والخارج
جزاك اللة خير يا دكتور ايراهيم
عدد الردود 0
بواسطة:
كاظم
نشر مبدأ الوسطية المصرية فى الغرب
لتصحيح الصورة الخاطئة عن الإسلام
عدد الردود 0
بواسطة:
عرفة
الغرب يفتقد إلى وجود مرجعيات دينية معتبرة تحمل فكرًا صحيحًا يواجه فكر القاعدة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عطية
الغرب أصبح الآن يمثل موردًا بشريًّا لداعش والتنظيمات المتطرفة
لأن الشباب هناك يفتقد إلى المرجعية الدينية الصحيحة
عدد الردود 0
بواسطة:
تامر
لجوء الغرب لمؤسسات فى العالم العربى عند شعوره أن التنظيمات المتطرفة
عدد الردود 0
بواسطة:
سارة
القضية بالأساس فكرية معنية بتحقيق الأمن الفكرى
عدد الردود 0
بواسطة:
صلاح
الدكتور ابراهيم نجم يعمل على تصحيح صورة الاسلام فى الداخل والخارج
جزاك اللة خير يا دكتور ايراهيم