يجب ألا ننظر إلى قرار روسيا بحظر رحلات مصر للطيران إليها مؤقتًا بمعزل عن التفجيرات الإرهابية التى وقعت فى جنوب لبنان مساء الخميس الماضى، ولا بمعزل عن الانتصارات التى يحققها الجيش العربى السورى ضد قوى الإرهاب من داعش إلى النصرة خلال الأيام القليلة الماضية، ولا بالتفجيرات التى حدثت فى فرنسا مساء أمس الأول، الجمعة.
واللافت أن الفرق بين قرار الحظر والإرهاب فى جنوب لبنان، وانتصارات الجيش العربى السورى، والإرهاب فى فرنسا هو ساعات قليلة، إلا أن جميعها تعبر عن حالة واحدة، هى «الأزمة السورية»، هى الأزمة التى تقود بامتياز وجعنا العربى الآن، وتتحكم فى الحالة الإقليمية الراهنة.. هى التى جعلت من الإرهاب حالة تتمدد لتخرج من حدودنا العربية إلى العالم كله، هى الأزمة التى تترك بتأثيرها العميق على مصر مهما بالغ البعض فى تصورات أننا بعيدون عنها.
لكل حدث من الأحداث السابقة خصوصية، لكن قرار روسيا بحظر رحلات مصر للطيران، يمكن فهمه على نحو أنه يعطى رسائل فى أكثر من اتجاه للأطراف المعنية، فانتصارات الجيش العربى السورى تؤكد نجاح الضربات الجوية الروسية ضد مواقع الإرهاب فى سوريا، ومن الطبيعى أن الإرهابيين بمقتضاها سيقررون مواجهة روسيا خارج المجال السورى، مما يفرض على الحكومة الروسية أن تستبق هذا الخطر المتوقع بإجراءات حاسمة تحمى مواطنيها.
ومن هنا يمكن فهم القرار الروسى بحظر رحلات مصر للطيران على أنه لا يعبر عن مواقف عدائية لمصر، أو أن المقصود به المزيد من خنق الاقتصاد المصرى أكثر مما هو مختنق، ووفقا لما يذكره واحد من أبرز المتخصصين فى الشأن الروسى وهو الدكتور محمد فراج أبوالنور، فإن الموقف الروسى يتعلق بتقارير أمنية متواترة حول اعتزام «داعش» وغيرها من المنظمات الإرهابية تنفيذ عمليات إرهابية ضد المصالح الروسية والمواطنين الروس فى المنطقة، أى أن السياح الروس الذين سيأتون إلى مصر والمنطقة سيصبحون هدفًا للإرهاب، وبناء على ذلك فإن السلطات الروسية تتخذ موقفها حماية لمصالحها.
يبدو هذا الكلام مرجحًا، لو وضعنا حوادث التفجيرات الإرهابية التى وقعت فى جنوب لبنان، حيث مناطق نفوذ حزب الله، ضمن الصورة الكلية للحالة الإقليمية الراهنة، فهذه الحوادث الإرهابية فى أولها وآخرها رسالة إلى إيران كطرف يساند الرئيس السورى بشار الأسد بلا حدود، ورسالة إلى حزب الله الذى يحارب مقاتلوه إلى جانب جنود الجيش العربى السورى، وتقول الرسالة من الإرهابيين: «إذا كنا نخسر مواقعنا داخل سوريا، فإن الأطراف المتسببة لن تكون مصالحها بعيدة عن إرهابنا».
هى رسالة لا تقتصر مقاصدها على إيران، إنما تمتد إلى روسيا، بوضع مصالحها خارج حدودها كأهداف سيتم ضربها، ومن هنا جاء حظر الطيران المصرى الذى ينقل سياحًا روسيين لم يستجيبوا لتحذير حكومتهم بعدم السفر إلى مصر مؤقتا.
الحوادث الإرهابية التى وقعت فى فرنسا ربما لا تختلف كثيرا فى مقاصدها عن أى تهديدات موجهة إلى روسيا، ولا تختلف أيضًا فى مقاصدها عن أى إرهاب يقع فى مصر، أو أى إرهاب يقع فى أى دولة عربية، وهو ما يفرض على الجميع أن يعيد تصوراته نحو الحرب على الإرهاب، ويبحث عن منابعه الحقيقة الآن، ويحسم مواقفه المترددة، وطبقًا لذلك فإن هناك أسئلة جوهرية يجب أن تطرحها كل القوى الإقليمية والدولية على نفسها وهى: هل من الطبيعى أن يتم وضع كل القوى الإرهابية التى تقاتل فى سوريا الآن فى نفس خندق الجيش العربى السورى الذى يخوض معاركه بضراوة من أجل تحرير سوريا من الإرهابيين الذين دخلوا بتواطؤ دولى قادته تركيا وفرنسا وأمريكا؟
هل من الطبيعى أن تبقى فرنسا على نفس تصوراتها نحو سوريا؟، وكيف لمصر أن تنظر إلى الأزمة السورية بحسم أكثر.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد علي
مقال ممتاز في كيفية قلب الحقائق
عدد الردود 0
بواسطة:
المفسدون فى الأرض
المفسدون فى الأرض