يدين عبدالناصر لأنه لم يخضع لإسرائيل
يتعامل «نيوتن المصرى اليوم» مع التاريخ بوصفه «التاريخ الذى يكتبه هو فقط»، أو على الأقل الذى يؤيد وجهة نظره.
لا يعترف بالروايات الأخرى، هو يتحدث كثيرًا عن إيمانه العميق بالتعددية، لكنها التعددية التى يضبطها على مزاجه الخاص، تعددية لا يرى فيها غير ألوانه التى يفضلها، تعددية يضع فيها إسرائيل على قدم المساواة مع الآخرين، لا ينظر إليها بوصفها قوة احتلال بغيض.. هو منطق يقود حتمًا إلى اتهام الفلسطينيين بأنهم إرهابيون، من يحمل حجرًا فهو إرهابى، ومن يحمل سكينًا فهو إرهابى، ومن يحمل بندقية فهو إرهابى.
أمس الأول جلس «نيوتن» على كرسى الخيال، وطرح سؤالًا: «كيف سيكون الحال لو أن مهاتير محمد رئيس لمصر بدلًا من جمال عبدالناصر؟»، ويجيب: «كان سيقيم علاقات مع كل من سيحقق مصلحة مصر، مهما كان وأيًا كان، لتفادى حروب 56 و67 و73، لجعل مصر ملاذًا لأموال البترول».
لاحظ قوله: «مهما كان وأيًا كان»، فالقصد به إسرائيل، ثم إسرائيل، ثم إسرائيل، هو لا يخفى ذلك، تحدث عنه كثيرًا من قبل، جريمة نيوتن فى طرح الأمر على هذا النحو أنه يعطى صك البراءة لإسرائيل فى جرائمها منذ نشأتها عام 1948، يقفز مثلًا على حقيقة أن الملك فاروق هو صاحب قرار دخول الجيش المصرى إلى أرض فلسطين لمحاربة العصابات الصهيونية، لكن لا يتحدث عنه من باب الرغبة فى إدانة جمال عبدالناصر، ومرحلته فى تاريخ مصر.
يدين عبدالناصر لأنه لم يخضع لإسرائيل، يدينه لأنه لم يسمع كلامها، يدينه لأنه لم يستقبل بالأحضان قادتها الملطخة أيديهم بالدماء، يدينه لأنه تجرأ وأمّم قناة السويس لبناء السد العالى، يدينه لأنه لم يجعل نفسه ألعوبة فى يد الاحتلال البريطانى لمصر، يدينه لأنه انتصر للأصل التاريخى فى نشأة إسرائيل ككيان احتل أرضًا وشرد شعبًا، يدينه لأنه وضع يده على حقيقة أن هذا خطر على الأمن القومى لمصر.
يطرح «نيوتن» سؤاله على الجانب الآخر لكى يكمل الصورة التى يريد رسمها، يسأل: «ماذا لو تخيلنا عبدالناصر رئيسًا لماليزيا بدلًا من مهاتير محمد؟، جاء فوجد سنغافورة قد انفصلت عن ماليزيا، أصبحت دولة مستقلة، تقدمت فى كل معايير الحياة، ماذا كان فاعلًا؟»، يجيب: «كان سيخاطب أهل ماليزيا، وسيوجه حديثه لأهل سنغافورة، سيقول عن اقتناع إن هذه الانفصال من تدبير القوى الإمبريالية، وعلى ماليزيا استعادة سنغافورة، حينها ستتربص به القوى الإمبريالية، سينتهى به الأمر بحرب ضروس بين ماليزيا وسنغافورة».
هكذا يصدّر «نيوتن» جمال عبدالناصر إلى الرأى العام بوصفه قائدًا لم يعش إلا بالحرب، يصدره على أنه يفعل ذلك بغير ضرورة، حتى لو كان السبب هو احتلال جزء من مصر، حتى لو كان السبب سلخ جزء من مصر. يلعب «نيوتن» لعبة تبديل الجغرافيا، فيضرب المثل بسنغافورة وماليزيا، لكنه لا يضرب الأمثلة بأماكن أخرى فى العالم رفضت سلخ جزء من أراضيها، فخاضت الحرب من أجل استعادتها.
ودعنا الحروب منذ عام 1973، وحل السلام منذ عام 1979، فماذا كانت الحصيلة؟
لماذا لم نصبح مثل سنغافورة، ومثل ماليزيا؟
لماذا لم تصبح مصر ملاذًا لأموال البترول؟
لماذا لم تأت الأموال لنا من كل مكان؟، لماذا لم تتحول مصر إلى واحة جذب للاستثمار؟
لماذا لم يتقدم البحث العلمى؟، لماذا تدهور التعليم؟
دعك من إجابتك المعتادة بتحميل مجانية التعليم المسؤولية، واعتبارها «أم الجرائم»، فتلك قراءة مخلة لها أغراض أخرى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
امل
الله عليك يا استاذ سعيد
عدد الردود 0
بواسطة:
Nihal
فاكر كلمه : بس الخير موجود!