يا سبحان الله، حتى الإرهاب درجات والحرب عليه مستويات! هناك من يحمل روحه على كفه ويواجه أعتى المنظمات الإرهابية ولا يلقى إلا الهجوم والتبكيت والمؤامرات تحاك ضده ليل نهار مثل السيسى، وهناك من يقتل العشرات خطأ فى عملية تخليص رهائن فيجد العالم كله متضامنا معه وحزينا من أجله مثل هولاند!
أى مراقب عادل ونزيه يعرف كم واجهت مصر من مؤامرات واعتداءات وعمليات إرهابية من تخطيط وتنفيذ جماعة الإخوان الإرهابية وشركائها، لابد وأن يشعر أن هذا العالم منافق وعنصرى ولا يعترف إلا بمنطق القوة، وأن العدل قيمة ستظل غريبة إن وجدت، وغائبة فى معظم الأحوال عن كوكبنا المتعوس، خاصة بعد الكيل بمكيالين فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب بعد الأحداث الأخيرة فى باريس، وسقوط أكثر من 130 ضحية بريئة، وحوالى 400 مصاب بينهم 80 فى حالة حرجة.
الرئيس الفرنسى هولاند أعلن الحرب الشاملة فور وقوع الأحداث الإرهابية فى عاصمة بلاده، بل إنه أعلن صراحة تمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر، والعودة إلى حدود بلاده القومية وتفكيك الاتحاد الأوروبى حال عجزت الدول الأوروبية عن مراقبة وتأمين حدودها، وقدم فورا إلى البرلمان مشروع قانون بطرد الأجانب من البلاد، ونزع الجنسية عن كل من يمثل خطرا على الأمن، وبالطبع لن يناقشه أحد فيمن له الحق بتحديد مفهوم الخطر على البلاد أو مفهوم الأمن، ولن يراجعه أحد فيما يسمى بالاستخدام المفرط للقوة تجاه أى مشتبه به يتم قتله على سبيل الاحتياط.
جميع القوى السياسية والمدنية داخل فرنسا وخارجها طأطأت رؤوسها أمام حسم هولاند واستعداده للمضى إلى آخر الشوط فى مواجهة الإرهاب، أطلق الجيش فى الشوارع، وأعلن عن خمسة آلاف وظيفة جديدة فى الشرطة، وألفين وخمسمائة وظيفة فى أجهزة الأمن الأخرى، وميزانيات مفتوحة للإيقاع بخلايا المتطرفين فى فرنسا، وحتى يعيش الفرنسيون بأمان، ولم يجرؤ معارض واحد على مجرد مناقشته أو مراجعته فيما يقول، فعندما يهتز مفهوم الأمن فى المجتمع تسقط المعارضة، وتنضم كل القوى إلى مربع الحكم وتتضامن مع نظام الدولة ورأسها.
لم يجرؤ أحد السياسيين الفاشلين على عقد اجتماع لمناوأة هولاند بزعم اعتدائه وتغوله على الحريات المدنية المنصوص عليها فى الدستور، ولم تملأ الأحزاب الصغيرة القنوات الفضائية بالتصريحات العنترية التى تلتزم المبادئ المثالية حول حقوق الإنسان، بينما الإنسان مقتول ومسحول ومنفجر بنيران وقنابل الإرهاب، ولم يبرطم الفارغون والمراهقون بالكلمات الإنشائية عن عسكرة الدولة واختطاف المجتمع، وعن اعتداءات الشرطة على المدنيين أثناء البحث عن الإرهابيين والمشتبه بهم.
كم هو محظوظ الرئيس الفرنسى هولاند، لأنه بعيد عن أى هجوم من قناة الجزيرة المأجورة، وبعيد كذلك عن الصدام مع جماعة الإخوان الإرهابية، فلا تصدر الصحف لمهاجمته ليل نهار، ولا تنشئ الدكاكين الفضائية لتلعنه على رأس الساعة، كما أنه فى مأمن من الإعلانات التحريرية المدفوعة فى الواشنطن بوست ونيويورك تايمز، وغيرها من كبريات الصحف الأمريكية التى تقبل الإعلانات التحريرية، وتؤجر افتتاحياتها لمن يدفع أكثر.
أما تميمة الحظ الكبرى التى يتمتع بها هولاند، فهى صمت منظمات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية الكبرى فى العالم مثل هيومان رايتس ووتش، فلم نقرأ تقريرا لها عن الاستخدام المفرط للقوة ضد الإرهابيين أو تعريض حياة الآلاف للخطر، أو تحول هولاند إلى ديكتاتور باطش، فمثل هذه التقارير تخرج فقط من أجل السيسى، وكأن الإرهاب الذى يواجهه هولاند إرهاب كونى، أما ما يواجهه السيسى فهو نوع من التعبير عن الرأى بالرصاص، والقنابل، وذبح المواطنين الأبرياء!