عندما تكون الكآبة حالة عامة، وعندما يحاصرنا القلق والحزن من كل اتجاه وتأتينا بهجة من حيث لا نتوقع لنسترد الثقة فى أننا نستطيع وأن العقلية المصرية عندما تتوافر لها الظروف يتحدث التفوق فيها عن نفسه.
حصول محمود محيى الدين على منصب النائب الأول لرئيس البنك الدولى لشئوون التنمية المستدامة والأمم المتحدة والمشاركات كأول مصرى وعربى يتولى هذا المنصب يعلن أننا نمتلك ذخيرة مصرية اقتصادية ولكننا لا ندرك، وعندما نتحدث عن الخبرة التى يمكن اللجوء إليها فى الاقتصاد لا نجد سوى اسم د. العريان، بينما لو كان لدينا من يبحث فسيجد هناك المئات من العقول المصرية المبدعة والمخلصة للوطن، ولكننا نهدرها أو لا نعرفها ولا نحاول.
محمود محيى الدين له دراسات كثيرة عن نماذج وتجارب دول آسيوية استطاعت العبور من حواجز الفقر والتخلف لتغدو نمورًا اقتصادية تسابق الدول ونحن أحوج ما نكون للوعى والمعرفة وكيفية التطبيق.
وفى ندوة له بمجلة روزاليوسف قبل سفره لتولى منصبه فى البنك كان السؤال: لماذا لا نطبق تجارب الدول الأخرى؟ ولماذا عجز الوزير عن تنفيذ ذلك فى مصر؟ وكانت إجاباته درسًا إذا كنا نريد الآن البناء، حيث قال:
المعادلة لتحقيق النمو والتنمية هى قضية اختيار بين التقدم المكلف وبين التخلف المريح فى الأجل القصير والمكلف فيما بعد سواء من فقر ومشاكل تشغيل وتدنى دخول وتراجع فى مستوى الصحة وتراجع فى مستوى التعليم وتدنى نوعية الحياة.
الذين تقدموا أخذوا إجراءات صعبة وخيارات مكلفة ليس من الناحية المالية ولكنها مكلفة سياسيا، بمعنى بذل جهد فائق ومخاطرة عالية.
المثال الأكبر قصة الصين وسنغافورة والهند وكوريا وماليزيا أعضاء هذا التجمع الفريد على مدى 30 عامًا يجمعهم شىء واحد هو تلك الرغبة الشديدة والتقدم، ففى حين تتصارع دولة مثل كوريا مع جيرانها اليابانيين والصينيين فإذا لم تكن الأولى فلن ترضى أن تكون الأخيرة، هؤلاء أنفقوا المليارات على البنية الأساسية والتعليم والرعاية الصحية واندمجوا بصورة محسوبة وقوية فى الاقتصاد العالمى، واعتمدوا على اقتصاد السوق وقاموا بتقوية أدوات الدولة فى الرقابة ولم يدخلوا فى هذه المتاهة التى ندخل فيها بدون مناسبة.
تلك الدول جميعًا لم تنفق هذا الإنفاق الكبير والضخم على المحبين المتشدقين بدور الدولة أو المحبين المدافعين عن السوق والقطاع الخاص، ولكنها اتبعت المنظومة البراجماتية الاقتصادية، فالأهم تحقيق الأهداف.
الفرق بين الصين ومصر، أن الصين ظلت ثلاثين عاما يحمكها عتاة الحزب الشيوعى وانتهى بها الأمر إلى اقتصاد السوق، بينما طبق الرئيس السادات الانفتاح الاقتصادى ولكن لم يكن هناك برامج للتوعية والتثقيف لتساند تحقيق هذه الأهداف وتضبيط الإيقاع، فأصبح لدينا انفتاح السداح مداح، أما الصين فانفتحت استثمارا وإنتاجا وليس استهلاكا وهى من أكثر دول العالم ادخارًا.
والأهم أن هذه الدول لها سياسة واظبت عليها مهما تغيرت الحكومات، فهناك ماكينة تعمل من أجل هدف محدد، وهى نظم لا تعرف الرحمة لمن يسقط ويفشل، وقيمة العمل هناك كبيرة ثابتة.
مصر فى حاجة للمعرفة واكتشاف مواطن الخلل فى الاتجاه الاقتصادى، وفى حاجة لاستعادة واستقطاب القامات المصرية الرائعة ومنحهم الفرصة والظروف للعمل والتحدى والإنجاز.
إذا أردنا التقدم، فلتكن لدينا شجاعة البحث عن محمود محيى الدين وأمثاله، وإذا ارتضينا التخلف فليبق وضعنا على ما هو عليه.