للمرة الأولى.. جمعت محادثات قمة فيينا، حول الأزمة السورية، القوى الخارجية المعنية بالصراع فى سوريا، إلا أن الغريب فى الأمر هو غياب جميع أطراف الصراع الحقيقيين الذين يتقاتلون على الأرض، وهم "بشار الأسد والمعارضة والأكراد"، وحضر نيابة عنهم حلفاؤهم من الدول الكبرى أصحاب المصالح، أو ما يمكن أن نطلق عليهم متحدثين باسمهم.
شارك فى اجتماعات القمة أربعة لاعبين رئيسيين هم "الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران"، الأمر الذى حول المباحثات من مجرد وضع حلول جذرية للأزمة لوقف إراقة الدماء، إلى مائدة لتصفية الحسابات السياسية بين القوى المتصارعة فى المنطقة، وعلى رأسها "السعودية وإيران والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا"، وكأنها فرصة حقيقية لتقسيم الأراضى السورية بين القوى العظمى وأصحاب المصالح، وتحولت القمة إلى جلسة لـ"الضحك على ذقون العرب"، وبات السيناريو المتوقع هو التقسيم، كما حدث فى عدد من البلدان العربية.
التحول الجديد فى الموقف هو جلوس إيران، التى فرضت نفسها بقوة، على مائدة مفاوضات واحدة مع السعودية، خاصة بعد الاتفاق النووى الذى وقعته مؤخرًا، وما ترتب عليه من التزامات تدفعها لإعادة ترتيب أوراقها بالمنطقة، ما يقلص نسبيًا من هامش مناوراتها، على الأقل فى هذه المرحلة، كما لا يمكن إغفال الأسباب الاقتصادية التى تدفع موسكو وسعيها للحصول على منفذ جديد بالخليج لأن تكون فاعلاً مؤثراً على الساحة الدولية، ضمن سعيها للدفاع عن مصالحها، والحد من هيمنة الولايات المتحدة.
وهنا يبدو أن قواعد اللعبة قد تغيرت، خاصة بعدما ألمحت الإدارة الأمريكية لعدم تمسكها برحيل الأسد، كشرط للجلوس على مائدة المفاوضات، بالإضافة إلى تصريحات الخارجية السعودية، والتى كانت دائمًا تتمسك بعبارة "لابد من تنحى الأسد"، إذ سرعان ما أضافت إليها "ولكن فى إطار جدول زمنى محدد"، وهو بمثابة الضوء الأخضر للجلوس على طاولة المفاوضات مع الجانبين الروسى والإيرانى، واللذان يرفضان رفضًا قاطعًا رحيل الأسد، حيث أكد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، أكثر من مرة، رفضه الإطاحة بالرؤساء المنتخبين، تحت أى ضغوط، ولم يتحرج من إعلان دعمه عسكرياً لتثبيت حكمه.
فجاء البيان الختامى للقمة بشكل مقتضب وأكثر بروتوكوليا، حيث أعلن المشاركون فى القمة اتفاقهم على ضرورة وقف سفك الدماء السورية عن طريق دراسة تدابير وقف إطلاق النار بشكل شامل، على أن يتم تحديد موعد محدد لوقف العمليات العسكرية، بالتزامن مع سير العملية السياسية، الأمر الذى وصفه محللون بالنتائج الإيجابية، على الرغم من الاعتراف بصعوبة مسار المفاوضات، مع التأكيد على أن الشيطان يكمن دائمًا فى التفاصيل، وهو ما ستفصح عنه الأيام المقبلة.
والأمر المثير للدهشة هو إغفال جلسات الحوار للشعب السورى، والكم الهائل من الجثث والأشلاء التى تعوم فى بحر من الدماء، والخراب الذى عم البلاد، من أقصاها إلى أقصاها، فضلاً عن مئات الآلاف من المواطنين الذين أصبحوا مشردين فى جميع بلدان العالم، وهنا نطرح سؤالاً مهماً وهو إذا كان التوصل لحل سياسى أمرًا محكومًا عليه بالفشل، فهل تستطيع القمة إلزام الدولة المشاركة باستقبال اللاجئين السوريين على أراضيها؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة