هل يمكن أن تتخيلوا ما يحدث فى سوريا والعراق خارج سياق أفلام الأكشن الدموية الأمريكية؟ تصوروا أن قوات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وحلفاءهم الأوربيين يقصفون منذ شهور مجموعات من المقاتلين البدائيين والمرتزقة الوافدين من كل بلاد الدنيا، ممن لا يعرفون إلا استخدام الرشاشات وتفجير أنفسهم، ومع ذلك يتمدد تنظيم داعش الإرهابى فى العراق وسوريا وليبيا واليمن ويرسل مندوبيه إلى أوربا للقيام بعمليات نوعية.
وعندما دخلت روسيا على الخط، وقصفت بجدية مراكز للجماعات المتطرفة والمرتزقة هناك وأرسلت وحدات من مقاتليها لحماية القواعد البحرية والمطارات التى تستخدمها، نجحت فى وقف تمدد التنظيم المتطرف وإضعاف سيطرته على بعض المواقع مما سمح للجيش السورى باستعادتها، وانكشف فى الوقت نفسه المخطط الأمريكى الذى يهدف إلى صناعة فرانكشتاين وهمى يهدد العالم فيتصدى له البطل الأمريكى مقابل ابتزاز دول العالم واستنزاف الثروات العربية لعقود جديدة قبل أن يقضى عليه فى عملية مسرحية أيضا، لكن كان جزاء الروس تفجير طائرة مدنية فوق سيناء مع التهديد بعمليات نوعية أخرى بنفس الطريقة تصيب المدنيين الروس وتدفعهم للانقلاب على بوتين على طريقة أوكرانيا وثورتها البرتقالية.
كان من الممكن أن تتصرف الولايات المتحدة بطريقة أخرى حتى يتجنب العالم كل ما يعانيه من إرهاب وتطرف، أن تأمر أذنابها بوقف مشروع الفوضى، فتتوقف تركيا عن توريد المرتزقة إلى سوريا عبر أراضيها وتتوقف قطر عن تمويل المتطرفين فى سوريا وليبيا والعراق بالأسلحة والأموال وتتوقف الدولة الخليجية الأخرى عن تمويل داعش سوريا والعراق بالسلاح والأموال تحت وهم مواجهة التمدد الشيعى الإيرانى فى العراق وسوريا.
وكان من الممكن أن تعقد الولايات المتحدة جلسة للفرقاء فى سوريا والعراق هدفها الأساسى تحقيق الاستقرار ووقف الحرب الأهلية ويتضمن جدول أعمالها بنودا محددة، أولها السماح بخروج المقاتلين الأجانب خلال مدة محددة وبعدها تتم محاكمتهم وفق القانون الدولى كمجرمى حرب، والوقف الفورى للعمليات العسكرية والانتحارية من الجيوش النظامية والمعارضة، وسحب السلاح غير الشرعى من مختلف الطوائف فى البلدين، فضلا عن وقف إمداد المقاتلين بالأسلحة، مع الإعلان عن تنظيم استفتاء شعبى أو انتخابات شعبية لاختيار نظام الحكم الوطنى فى البلدين عقب تحقيق الاستقرار.
بدلا من مشروع السلام الفعلى على الأرض المدعوم بخطة تنموية على غرار مشروع مارشال لإعادة بناء البلدين من جديد، تتدخل الولايات المتحدة وأذنابها لتدمير المجتمعين العراقى والسورى بزرع خلايا من المقاتلين الوحشيين داخل البلاد ودعمهم بالمال والسلاح والمرتزقة الأجانب، فلا يكون أمام المواطن المسالم إلا ثلاثة خيارات، إما أن يرضى بالموت أو يهاجر مثل مئات الآلاف من اللاجئين الذين يخاطرون بحياتهم فى عرض البحر، أو يتحول إلى وحش وينضم لخلايا المقاتلين، وهو ما يحدث فعلا الآن ويعانى منه العالم.
العالم، وفى القلب منه أوربا، يعانى من تحول تنظيم داعش المتطرف التافه إلى فكرة يتبناها المحرومون والفقراء والضعاف نفسيا، كما يعانى من مشكلة تدفق اللاجئين ومن بينهم مقاتلون متسللون أو دعاة عنف ينزرعون فى مجتمعاتهم الجديدة، ويحاول العالم مواجهة أعراض المشكلتين بكثير من العنف والغشم والعمى، بينما يمكنه حل المشكلة نفسها من جذورها، بتحقيق الاستقرار فى العراق وسوريا وليبيا واليمن، والحفاظ على المجتمع الواحد وهيكل الدولة هناك بدلا من تفجيرهما والاكتواء بالنار وتحمل خسائر بالمليارات!!