لا أدرى من المسؤول بالضبط عن حالة اللامبالاة المتفشية وسط المصريين، قبل ساعات من انطلاق المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب؟ كلما صادفت أحدا وسألته: ماذا ستفعل فى الانتخابات؟ يرد علىّ: لن أنزل. لماذا لا تنزل؟ لماذا لا تنزلين وتشاركين برأيك؟ ترد أو يرد: لا أعرف أحدًا من المشاركين فى هذه الانتخابات!
هذا هو الرد الغالب الذى نسمعه من كثيرين نصادفهم، وهو انعكاس مباشر لحالة اللامبالاة السياسية التى لا أعرف لماذا تغلغلت داخل المصريين رغم أن كل الظروف فى الداخل والخارج تدفعنا لأن نعلن حالة الاستنفار والطوارئ، وأن نتأهب لمواجهة الأخطار المحدقة بنا.
لماذا لا نسعى جميعًا لمعرفة المرشحين الذين نجهلهم؟ نعم هناك أسماء عديدة جديدة وتشارك فى العملية السياسية لأول مرة، وهؤلاء يجب أن نبحث عن سيرهم الذاتية وعما قدموه فى المواقع والمناصب التى شغلوها لنعرف هل يستحقون فعلا أن نمنحهم أصواتنا أم لا، وهناك أسماء معروفة لها تاريخها فى العمل السياسى والعمل العام، وهؤلاء نحكم عليهم بمقدار ما قدموه للبلد، وبمواقفهم فى الفترات العصيبة التى مررنا بها فى السنوات الماضية.
لكن الثابت فى الأمر بخصوص انتخابات مجلس النواب، أننا لابد أن نشارك ونعطى أصواتنا من يستحق، بدلاً من الاستسهال والعزوف عن المشاركة، والاكتفاء بقوائم المطالب الجاهزة للدولة والحكومة، أو توزيع الاتهامات المجانية على الدولة والحكومة والرئاسة، بينما نحن غير موجودين فعليًّا فى المعادلة وغير مؤثرين فى أى حراك سياسى أو اجتماعى.
أشعر أن الناس لديها حالة من الاطمئنان الزائد والتواكل والاسترخاء، لا تريد بذل أى مجهود، حتى لو كان بالبحث عن المرشحين فى الدائرة التى أنتمى إليها لمعرفة أيهم الأصلح لأنتخبه، هذا الجهد البسيط لا يريد كل منا أن يفعله من طول ما تعودنا على الاختيار بين فاسد وفاسد، أو بين إخوانى وسلفى، أو بين حزب وطنى فهلوى ومعارض حنجورى لا يستطيع تحقيق الوعود الكثيرة التى يطلقها فى الهواء، تغيير قواعد اللعبة وتقدم عدد كبير من الوجوه الجديدة، بدل أن يدفعنا لمزيد من بذل الجهد وأن يثير فينا الحماس، يبدو وكأنه أصابنا بصدمة باردة، حتى إن أغلبنا لم يعد يعرف ماذا يفعل، فاختار الخيار الأسهل، العزوف وعدم المشاركة، الذى يبدو وكأنه نوع من المعارضة، فى زمن أصبحت فيه المعارضة نوعا من البرستيج الزائف والمزايدة المطلوبة.
متى نعلم جميعًا أنه لا يحق لنا أن نطالب الدولة والنظام والحكومة بما لا نلزم به أنفسنا فرادى وجماعات؟ كيف نطالب بالإصلاح السياسى ونحن لا نشارك؟ كيف نطالب بالشفافية ونحن نتقاعس عن دعم انتخاب مجلس نواب وظيفته الأساسية التشريع ومراقبة أداءء الحكومة؟ كيف نطالب بدولة مؤسسات ونحن نرفض ونتجاهل المشاركة فى انتخاب مؤسساتها؟ كيف نريد برنامجا واضحا للحكومة دون أن نعمل لإيجاد مجلس نواب قوى يراجع الحكومة ويضبط أداءها؟
بوضوح، الأغلبية من مواطنينا مازالوا أسرى أفكار ومعتقدات خاطئة عن دور الفرد فى الدولة الحديثة ودور الدولة والحكومة، فهم يطالبون بالحريات ويرفضون القانون، يطالبون بدولة قوية ولا يبنون أنفسهم كأفراد أقوياء، ويشكون من دولة الفساد والمحسوبية وهم يقدسون علاقات الفساد والعشوائية على جميع المستويات، فكيف نرجو لبلدنا أن يتغير دون أن نغير ما بأنفسنا إذن؟
البداية بالفرد المواطن، ماذا يريد لنفسه فعلا؟ ثم ماذا يريد لبلده ومن بلده؟ وكيف يترجم رغباته وأمنياته إلى أفعال وسلوك ومواقف؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة