تظل الفكرة خامدة وجامدة حتى يتم البحث والمناقشة والحوار حولها لكى تتهيأ الأمور وتستقر الأوضاع ويُمهّد الطريق لتنفيذ الفكرة ووضعها موضع التطبيق العملى، وقد ظلت فكرة إنشاء المفاعل النووى منذ ستينيات القرن الماضى وحتى الآن لا تجد طريقها للتنفيذ، حيث كانت بداية المعوقات نكسة 1967 ثم كان التحول السياسى الجذرى فى عهد السادات الذى سلم كل الأوراق لأمريكا، كما أن حادثة مفاعل تشرنوبل بالاتحاد السوفيتى وتفجير المفاعل اليابانى كانت أهم الأحداث التى جعلت مثل هذه المشروعات قيد الجدل أكثر منها الحوار والمناقشة، حيث كانت خلفيات المصالح الذاتية والخاصة تطل برأسها فى هذه المناقشات.
حتى وجدنا وفى مفاجأة سارة أضاءت عتمة المناخ المحلى والدولى خاصة بعد سقوط الطائرة الروسية التى تلتها الأحداث الدامية فى باريس والأهم بعد هذه الحملة الشرسة غير العادلة والمظللة بألوان الانحياز وتصفية الحسابات مع مصر بهدف تشويه العلاقة التاريخية بين مصر وروسيا لإضافة تعقيدات فوق تعقيدات المشكلة الاقتصادية بضرب السياحة وصولاً لنشر الفوضى وعدم الاستقرار، وجدنا التوقيع مع روسيا على بناء المحطة النووية بالضبعة التى تحتوى على أربع مفاعلات من الجيل الثالث، وهذا آخر ما وصل إليه العلم فى هذا المجال، وذلك مع مشاركة من الجانب المصرى بنسبة %20 على أن يكون المشروع قرضًا بفائدة %1.5 يسدد على 35 عامًا بعد انتهاء المشروع وبداية الإنتاج.
لا شك أن هذا المشروع هو أحد المشروعات القومية التى تسهم فى توطيد مكامن القوة للدولة المصرية، وفى ذات الوقت، ونظرا لحالة الاستقطاب الحالى الحاد وتلك السيولة السياسية التى تسيطر على المشهد حتى الآن سنجد من يقول بخطورة هذا المشروع وعدم جدواه الاقتصادية مقارنةً بمشروعات مماثلة لتوليد الطاقة من الشمس والرياح، سنجد من يقول إن المشروع بالرغم من أهميته وعوامل خطورته لم يحدث حوله الحوار العلمى المطلوب مع أهل الاختصاص كما ينبغى أن يكون، سنجد من يقول يا سبحان الله، هل قدرنا ألا نفرح دائما الفرحة الكاملة حتى يكون هذا الاتفاق الهام والمهم قد جاء فى ظروف يحاصرها حصاد الإهمال والفوضى والفساد الذى وصل إلى منتهاه والمتمثل فى كارثة الأمطار فى الإسكندرية وغيرها من المحافظات أو فى عملية الاختراق الذى حدث فى إسقاط الطائرة الروسية، (وإن كان هذا ليس بمستحيل فى العالم كله)، ولذا يظل الخوف على الوطن قبل أى شىء آخر، فهل فى هذا المناخ الذى لا نرى فيه حكومة تعمل ومحافظين لا يدرون ما يفعلون إذا فعلوا.
هذا المناخ الذى يسيطر عليه الفساد ويحوطه من كل جانب، فالإهمال والفوضى الإدارية والتسيب الأخلاقى وتعلية المصلحة الذاتية، كل ذلك وغيره كثير لا شك هو نتيجة لوصول الرجل غير المناسب للمكان غير المناسب، فالفساد جعل الرجل العادى بل الرجل الصغير يأخذ أكثر مما ينبغى، الشىء الذى يؤدى إلى الفساد والتخلف والعجز.
وبالتالى الفشل والإحباط، فهل سنظل نواصل هذه السياسات الفاشلة والخطيرة والكارثية؟ ولذا على السيسى أن تكون مهمته الوطنية والآنية هى أن يضع الرجال الأكفاء والمناسبين للمكان والمؤمنين بالوطن.
على القيادة أن تتواصل مع الجماهير للرد على الاستفسارات ودحض الشائعات أولاً بأول وتوضيح الصورة بشفافية ومعلوماتية، ولذا فنحن فى انتظار توضيح صريح ومريح للرأى العام يرد على المتشككين بهدف ذاتى والخائفين على الوطن والمنتمين إليه، يوضح عوامل السلامة التى تتصل بالعامل البشرى فى التشغيل لهذا المشروع.. حمى الله مصر وشعبها العظيم.