ينتمى شاعرنا الكبير صلاح عبدالصبور (1931 - 1981) إلى هذا الفصيل من شعراء الشعر الحقيقى، الذين لا ينخدعون بالمظهر ولا يهتفون للعابر ولا يتقيدون بحدود الراهن والوقتى، هو شاعر العمق الإنسانى المبهر، ترى فى صوته رونق الحكمة ومرارة التجربة ورحابة الرؤية، ولهذا فقد امتد تأثيره إلى الأجيال الشعرية اللاحقة، وأصبح «شاعر الشعراء» أو الشاعر المفضل بالنسبة إلى الشعراء ينهلون من نبعه ما به يرتوون ويتخيرون من جنته ما يشاءون دون حرج أو تردد، فما علاقة هذا الشاعر الكبير الذى توفى فى العام 1981 بالانتخابات البرلمانية الحالية؟
لشاعرنا الكبير مقطوعة شعرية غاية فى الأسى والزهد والحزن، وللأسف فقد لازمتنى هذه المقطوعة منذ بداية الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية التى شهدت إقبالا يعد الأضعف فى تاريخ الانتخابات والاستفتاءات بعد 25 يناير، فيقول شاعرنا الأهم فى قصيدته:
«الحمد لنعمته من أعطانا ألا نختار
رسم الأقدار.. فلو اخترنا لاخترنا أخطاء أكبر
وحياة أقسى وأمر.. وقتلنا أنفسنا ندما
ثمن الحرية... ما دمنا أحرار»
وللأسف أيضا فقد تخيلت الشعب المصرى الذى كان يملأ الميادين بالملايين مطالبا باستحقاقاته، وكان يقف أمام لجان الاقتراع بالطوابير التى يصل طولها إلى ما يقرب الألف متر، واقفا الآن فى صورة مسرحية تحت إضاءة خافتة وهو يردد تلك الأبيات الأسيانة فى رتابة إيقاعية موجعة.
ما يقرب من خمس سنوات على اندلاع الثورات العربية، وقد بدأت الثورة مع أبيات أبى القاسم الشابى، وأرى الآن أبيات صلاح عبدالصبور غائرة فى الأفق، فمن الذى غير حالنا من «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر» إلى «الحمد لنعمته أن أعطانا ألا نختار»؟ من الذى بدل عقيدتنا فبدلا من القتال من أجل تقرير المصير ونيل الاستحقاقات أعادنا إلى خانة اللامبالاة والتفريط وانتظار ما تجود به الأقدار؟
نعم لم يرد عبدالصبور التعبير عن الواقع المعيش فى هذه الأبيات التى كتبها منذ أكثر من نصف قرن، وإنما أراد أن يعبر عن هذا الملمح الجبرى لحياتنا، وكأنه يستلهم روح أعمى المعرة «أبو العلا المعرى» وهو يقول «جِئْنا على كُرْهٍ، ونرحلُ رُغّماً / ولعلنّا ما بين ذلك نُجبر» وهو بتلك الروح الخافتة يرسم مصير الإنسانية ما بين قوسين من إجبار، برغم أنه فى البيت السابق على هذا البيت انتقد حالة الخنوع المجتمعى والنفاق الجمعى واصفا أمته بأنهم «ما أجهلَ الأمَمَ، الذينَ عرَفتهُمْ/ولعَلّ سالفَهُمْ أضلُّ وأتبر/ يَدْعونَ فى جُمَعاتهمْ، بسفاهة/ لأميرهمْ، فيكادُ يَبكى المِنْبر» فهل أراد عبدالصبور انتقاد الجبرية الواقعية من خلال تناول الجبرية الإنسانية مثل شيخه ومعلمه «أبو العلاء المعرى»؟
عزف الشعب المصرى عن المشاركة فى الانتخابات، وعادت الانتخابات البرلمانية موسما للنصب والاتجار فى البشر وأحلامهم ومستقبلهم، وسط صمت مقيم من الشعب المصرى «والصمت لا يعنى الرضاء بأن أمنية تموت/ وبأن أحلاما تفوت» كما يقول صلاح عبدالصبور أيضا.
وائل السمرى
صلاح عبدالصبور محللاً برلمانياً امتد تأثيره إلى الأجيال الشعرية اللاحقة
الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015 07:00 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة