كنت قد أشرت فى مقال سابق إلى "معجل ومؤخر الاستثمار"، والضوابط الحاكمة للطلب على الاستثمار فى مصر، وأوضحت أن هناك آثارًا مباشرة، وآثارا غير مباشرة لإعادة توزيع الدخل القومى فى تحديد ذلك. واليوم أكمل الجزء الثانى من الآثار المباشرة لإعادة توزيع الدخل فى الاستثمار، من خلال ما يعرف "بأثر الضرائب والنفقات العامة" فى حجم الاستثمار.
ونبدأ أولا بأثر الضرائب، حيث تؤدى الضرائب إلى إعادة توزيع الدخل فى صالح الطبقات ذات الدخول المحدودة، مما يرفع مستوى الاستهلاك، ويؤدى إلى تخفيض حجم الادخار القومى. وهو ما يعنى إذًا تخفيض موارد تمويل أى استثمارات جديدة، هذا إذا زادت معدلات الضرائب عن الحد الأمثل.
وأوضح أن هذه النتيجة تؤدى لا محالة إلى إعاقة الاستثمار "المباشر وغير المباشر" خاصة فى البلاد الآخذة فى النمو كمصر، والتى تنقصها المدخرات، ولا يمكن أن نسمح للبنك المركزى "بالإصدار النقدى الجديد" فى تمويل الاستثمارات و"ذلك لضعف مرونة الجهاز الإنتاجى"، إلا فى حدود ضيقة جدا.
وعليه ننبه هنا أن الذى يؤدى إلى تخفيض المدخرات القومية، ليس مجرد فرض الضرائب، بل تحويل جزء من الدخل القومى من فئة ذات دخول مرتفعة إلى فئة ذات دخول منخفضة "تستهلك أكثر من سابقتها". أما مجرد فرض ضرائب على الدخول المرتفعة دون تحويل حصيلتها إلى أصحاب الدخول المنخفضة - أى دون تخصيصها للاستهلاك - فسوف يشكل نوعًا من الادخار الإجبارى يحل محل الادخار الاختيارى فى حالات، ويحل محل الادخار الاستهلاك فى حالات أخرى، وهو الأمر الذى يجب أن تراعيه الحكومة فى وضع السياسة الضريبية بحيث لا يجب بأى حال من الأحوال أن تزيد معدلات الضرائب على الدخول والأرباح والثروات التصاعدية منها، عن "الحد الأمثل للضريبة"، وقد حاولت الحكومة والبنك المركزى معالجة هذا الوضع مؤخرًا بطرح شهادات استثمار بمعدل فائدة 12.5% وهو ما يقلقنى أكثر على مستقبل الاستثمار فى مصر.
ونكمل ثانيًا، أثر النفقات العامة فى الاستثمار، حيث يجب أن تخصص الدولة جزءًا من النفقات العامة لإقامة استثمارات عامة، كما قد تخصص جزءًا لتشجيع الاستثمارات الخاصة أو لرفع المقدرة الإنتاجية، وتتطلب دراسة هذا النوع الأخير من الإنفاق التفرقة بين ثلاثة أنواع من التحويلات وهى: 1- الحوافز الاقتصادية التى تمنح لبعض المشروعات أو لبعض فرع النشاط الاقتصادى بغرض تشجيعها عن طريق رفع معدل الربح فيها، وأوضح أن مثل هذه الإعانات تؤدى إلى زيادة الكفاية الحدية لرأس المال فى هذا النشاط من الاستثمارات، وعادة ما تمنح هذه الحوافز للصناعات الأساسية والهامة وخاصة فى دولة مثل مصر، وننبه أيضًا أن التأثير فى بنيان الاستثمار لا بد وأن يؤثر فى الحجم الكلى للاستثمار المباشر وغير المباشر إما بالسلب أو الإيجاب حسب اختيار نوعية المشروعات محل الحوافز والتميز النسبى.
2- النفقات العامة التى تؤدى إلى رفع إنتاجية العمل، ومثل ذلك الإنفاق الواجب على التعليم والتدريب المهنى وعلى علاج العمال ورفاهيتهم البدنية والذهنية.
3- وأخيرًا زيادة النفقات العامة التى تؤدى إلى زيادة المقدرة الإنتاجية للاقتصاد القومى، ما يؤدى إلى خفض تكلفة الإنتاج مثل مشروعات الكهرباء والطاقة والطرق والكبارى وشبكات الرى والصرف، والتى يليها السيد الرئيس اهتماما كبيرا، وهو ما يجب أن يؤدى إلى ارتفاع الاستثمار.
وعليه تتضح أهمية هذا الأثر المزدوج على وجه الخصوص فى الحالات اللازمة حينما تكون التوقعات الاقتصادية غير مرضية، وقدرة رأس المال العامل منخفضة كالحالة المصرية الآن، لذا أرجو من القائمين على وضع الخريطة المستقبلية للاستثمار فى مصر الأخذ فى الاعتبار لتلك الآثار المترتبة على إعادة توزيع الدخل القومى ومراعاة الضوابط الحاكمة للاستثمارات الجديدة، وذلك لكى يتحسن معدل نمو الاستثمار فى مصرز
• أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة .
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة