يتصور البعض أن كل الناس قادرون على تحقيق مصالحهم، حتى وإن صدق ذلك الفكر فى بعض الدول الغنية – إلا أنه غير وارد فى الدول الأخذة فى النمو والأسواق الناشئة كمصر.
والحقيقة أنها قلة فى كل دول العالم (الغنى والأخذة فى النمو والفقيرة) فحسب، تلك التى تقدر على تحقيق مصالحها فقط.. أما الجماعة (وهى الجزء الأكبر فى أى مجتمع) فلا تقدر إطلاقاً على تحقيق مصالحها وحدها، حتى فى أعظم الدول الرأسمالية الكبرى. أضف الى ذلك أن الصراع بين الأقوياء (أى الأغنياء) والضعفاء (أى الفقراء) صراع قوى تكتب فيه الغلبة دائماً للأقوياء "باسم الحرية"، فالأقوياء أحراراً فى أن يحققوا مصالحهم (وهذا حقهم فى كل دساتير دول العالم)، وهم قادرون على ذلك وحدهم، وأما الضعفاء فعلى الرغم من إعطائهم الحرية القانونية (بالدستور) لتحقيق مصالحهم، هم أيضاً، إلا أنهم لا يستطيعون أن يحققوا هذه المصالح (وحدهم)؛ وعلى العكس من ذلك فأن الحرية التى يكفلها أى نظام اقتصادى أو سياسى يعتمد على "الفرد" لا "الفرد والمجتمع" هى حرية للأغنياء ضد مصالح الفقراء. ومثال ذلك فى الاقتصاد والسياسة، حيث نجد أن أصحاب المشروعات هم وحدهم قادرون على أن يحققوا أرباح، والعمال فى مواجهتهم لا يقدرون على أن يحققوا مصالحهم (خاصة فى الأنظمة التى لا تقيم وزناً لمصالح العمال ولا تسمح لقيام التكتلات التى تحمى مصالح العمال بالمعنى الحقيقى وليس الصورى) وذلك لأنه أمر من الأمور التى تعتبر ضد الحرية الاقتصادية، والحرية الاقتصادية الكاملة لا تعرف التكتلات. وأما على الجانب السياسى فترى أن الأقوياء فقط هم من يتحكمون فى التشريعات واتخاذ القرارات المصيرية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من خلال المجالس النيابية والشعبية والمحلية، لأن لا أحد غيرهم قادراً على دخول تلك المجالس من خلال المال السياسى الأكثر شيوعا، خاصة فى الدول الأخذة فى النمو مثل مصر. وبالتالى لا أتصور أن هؤلاء سوف ينفقوا كل هذه الأموال من أجل دخول تلك المجالس للدفاع عن حقوق العمال والفلاحين ومحدودى الدخل والفقراء والطبقات المعيشة، بل للدفاع عن مصالحهم ومكاسبهم الفردية فقط، وهنا ينطبق القول السائد أن تلك المجالس هى "مجالس أصحاب المصالح" وأقصد هنا المصالح الخاصة وليس المصالح العامة.
وعلى ذلك ينتهى الأمر إلى أن مثل هذه الأنظمة الفردية لا تسمح بقيام تكتلات من أى نوع اقتصادى كان أو سياسى أو حتى اجتماعى للدفاع عن مصالح محدودى الدخل والفقراء فى تلك الدول. وهذا ما لا نريده فى مصر أبداً بعد ثورتين ترميان إلى "العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية"، أم نسينا لماذا قامت الثورة ؟!
* أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة