زيارة تواضروس للقدس استدعت المقارنة
كنا فى أرمينيا، وبالتحديد يوم 26 إبريل الماضى، والمناسبة كانت إحياء الذكرى المئوية لمذابح الأرمن على يد الأتراك، وفى مبنى الكنيسة الأرمينية الرسولية بالعاصمة «يريفان» كان لقاؤنا مع قداسة البابا تواضروس الثانى بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، تحدث يومها عن طبيعة العلاقات بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الرسولية فى أرمينيا، مؤكدا أن ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما، وهذا ما ذهب إليه أيضا بابا الكنيسة الأرمينية.
كان الاحتفاء به عظيما، والمشهد كله حمل دلالة على عمق قيمة الكنيسة المصرية لدى الخارج، كما أن مناسبة «مئوية مذابح الأتراك للأرمن» أكد دلالتها السياسية، وكانت المناسبة فى حد ذاتها مجالا للتذكير بالمذابح التى ترتكبها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين منذ احتلال فلسطين، كما أنها جاءت بعد أسابيع من ضجة أثيرت بسبب زيارات قام مسيحيون بها إلى القدس، وذلك فى مخالفة صريحة لموقف الكنيسة الأرثوذكسية لزيارة الأقباط إلى القدس. طرحت هذه القضية على البابا تواضروس، فقال: «زيارة الأقباط إلى القدس متوقفة بقرار الكنيسة بعد احتلال إسرائيل للأراضى العربية ومنها القدس عام 1967، وتم التأكيد على هذا القرار بعد اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، ومن وقتها لم يتغير شىء فى الأمر»، وأضاف بلغة قاطعة: «أتذكر وأذكر الجميع بمقولة البابا شنودة، إنه لن يزور القدس إلا فى صحبة شيخ الأزهر»، وقال: «زيارة القس يلزمها تصريح كنسى، ونحن لم نصدر أى تصريح لأحد مما يؤكد أن قرار الكنيسة مازال مستمرا ومعمولا به».
سألت البابا عن تفسيره لتصميم البعض على مخالفة قرار الكنيسة فى هذا الأمر، فقال، إنه فى السنوات الأخيرة هاجر بعض شباب المسيحيين من مصر، ويقوم هؤلاء بتنظيم رحلات إلى القدس من البلاد التى يعيشون فيها، ويطلبون من آبائهم وأمهاتهم المقيمين فى مصر الالتحاق بهم، فيأتى هؤلاء الآباء والأمهات إلينا مطالبين بالتصريح، فنسمح لهم لظروف كبر سنهم فقط، لكن تبقى هذه الحالات فردية، ونوافق عليها لظروف خاصة فقط، لكن القرار المعمول به منذ عام 1967 مازال ساريا ولا تهاون فيه.
كان كلام «البابا تواضروس» حاسما مستندا على خلفية تاريخية وطنية عظيمة للكنيسة الأرثوذكسية، ومستدعيا موقف البابا شنودة العظيم والذى تخطى كونه تعبيرا عن موقف للكنيسة إلى أنه تعبير عن حالة وطنية جامعة للمصريين مسلمين ومسيحيين فى مسألة التطبيع مع إسرائيل، وظل هذا الموقف مع موقف الأزهر سندا لكل الجماعات الوطنية الداعية لمقاومة التطبيع، وفشلت كل محاولات إسرائيل ورجالها فى الداخل فى شق هذا الصف.
وبهذه الخلفية فإنه من الطبيعى أن تكون الصدمة هائلة من كسر البابا تواضروس لهذا التراث الوطنى العظيم، بسفره إلى القدس لترأسه صلوات القداس الإلهى على الأنبا إبرهام، مطران الكنيسة الأرثوذكسية بالقدس، وبالرغم من دفاع البعض عما فعله بالقول: «ليست زيارة، بل هى واجب إنسانى»، إلا أن الجميع وجد نفسه أسيرا لسؤال: «هل كان البابا شنودة» سيتعامل مع الموقف كما تعامل معه البابا تواضروس؟
وطرح السؤال هنا ليس من قبيل التحدث عن أفضلية شخصية، لكن حين يتعلق الأمر بقضية وطنية ضرب فيها البابا شنودة أعظم المثل، من البديهى أن تشق المقارنة طريقها بسرعة الضوء، ولو بحثنا فى سنوات رئاسة البابا شنودة للكنيسة ربما نجد الكثير من الأوضاع الاستثنائية، كان يمكنه بمقتضاها الاستناد إليها فى ضرب قرار عدم السفر إلى إسرائيل بطريقة وبأخرى، لكنه لم يفعل منتبها إلى أن اختياراته كأرفع رمز دينى للمسيحيين ستكون عبرة لهم بكل تأكيد. استخدام رخص «الاستثناءات» فى السفر إلى القدس قد نمر عليها بعدم الاهتمام فى الحالات التى حددها لى «البابا تواضروس»، ونحن فى أرمينيا، لكن حين يعطى لنفسه استثناء فى هذا المجال فمن البديهى ألا يفارقنا البابا شنودة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري صميم
كفانا غباء
عدد الردود 0
بواسطة:
wael
العزاء واجب
عدد الردود 0
بواسطة:
مدحت
من انت